وكل أمر يستنبط من كلام البشر لا بد أن يوجد فيه الاختلاف، إن لم يكن صريحاً مع قوله، إن لم يكن بصريح قوله لا بد أن يوجد فيه اختلاف، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(٨٢) سورة النساء] وهذا أيضاً مرده إلى طريقة السبر والاستقراء، هل هو تام أو غير تام؟ لأن من الناس من يستعجل النتائج، يختبر الكتاب فيأخذ من أوله أحاديث، ومن ووسطه، ومن أثنائه، ومن آخره، فيحكم عليه أن هذه طريقة المؤلف، بينما فيما تركه ما يختلف مع ما قرره.
الإمام الترمذي ذكر شيئاً من شرطه في علله التي بآخر الجامع، ذكر شيء من شرطه ومنهجه، وما تركه أكثر، ولذا اختلف في مراده بقوله:"حسن صحيح" إلى بضعة عشرة قولاً، والحسن وإن نص عليه في علل جامعه إلا أن العلماء اختلف في مراده به اختلافاً كبيراً.
ابن ماجه ما ذكر شيء، لكن واقع الكتاب أخذ منه شرطه، والنسائي كذلك.
ما ذكره العلماء في شروط الأئمة وتباينوا في تقريره فشرط البخاري أعلى الشروط عندهم، ويقولون: إنه لا بد من توافر ثقة الرواة، وتمام ضبطهم، وملازمتهم للشيوخ، وقد ينزل البخاري فينتقي من حديث من لم يلازم الشيوخ.
يليه شرط مسلم الذي يستوعب أحاديث هذه الطبقة، وينتقي من أحاديث من خف ضبطهم التي هي الدرجة الثالثة التي يقال عنها: إنها هي شرط أبي داود، وقد ينزل إلى أحاديث الطبقة الرابعة ممن خف ضبطهم ما عدم ملازمتهم للشيوخ الذين هم شرط الترمذي والنسائي، وقد ينزل الترمذي والنسائي إلى من مُسَّ بضرب من التجريح الواضح الذي هو شرط ابن ماجه، هكذا قرر أهل العلم كالحازمي مثلاً في شرط الأئمة، لكن هل هذا ينضبط أو لا ينضبط؟ لا يمكن ضبطه؛ لأنه لم يأخذ من كلام الأئمة صريحاً، تبعاً لذلك تباين في أقوال أهل العلم في مراد الحاكم بشرط الشيخين صحيح على شرطهما، صحيح على شرط البخاري، صحيح على شرط مسلم، اختلفوا بذلك اختلافًا كثيراً.