آل الشرق الاسلامي في أواخر القرن الخامس للهجرة الى فئات مبعثرة، واحيانا متباغضة، لا يجمع بينها وفاق، ولا يضمها سلطان قوي، ففي كل ولاية أمير او ملك يناوىء جاره، ويكيد له، ويتربص به الدوائر؛ ليشن الغارات على ولايته، ويؤوب من عنده بالغنائم والاسلاب، ويدع له الاشلاء والدماء والدمار والخراب، انصياعا لهوى الاطماع، ودواعي المآرب والغايات. على حين كان الغرب يضمّ اليه أدانيه وأقاصيه، ويلمّ شعثه، ويرتق فتقه، ويرأب صدعه، ويتهيأ للانقضاض على الشرق المتداعي، والهيمنة عليه، طمعا في خيراته، ووافر ثرواته، لا- كما زعم أبناؤه- لتخليص قبر السيد المسيح- عليه السلام- من ايدي المسلمين. فلما استجمعوا قواتهم، واستحضروا عددهم، وخفقت راياتهم، وتعالت بالحقد الاعمى اصواتهم، اندفعوا موجات متتابعة، مدة قرنين من الزمان. ابتداء من سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة للهجرة، فأهلكوا الحرث والنسل والضرع، وأشاعوا الدمار في القرى والامصار، حتى قدر المؤرخون عدد الذين قتلوا في مذبحة انطاكية بعشرة الاف