لذلك دأب أولو العلم على تقييد ذلك كلّه، وعنوا منذ فجر تاريخ الدّعوة الإسلاميّة بكلّ ما يتّصل به صلّى الله عليه وسلّم من الأمور الشّرعيّة، أو الشّؤون العاديّة، وكان ذلك بطريقة استيعابيّة، وأسلوب استقصائيّ، بحيث إنّ هذه المعارف الوفيرة جلّت لنا تلك الشّخصية الفريدة، بكلّ خصائصها وسماتها، فكانت هذه العلوم منارا تتراءى في ضيائه الشّخصية المحمّديّة تزهو في حلل الكمال والجمال، وينبعث من تلك الذّات أريج الجلال والهيبة والعظمة، وكيف لا تكون كذلك، وقد حلّى التّنزيل الحكيم جيده بعقود المدح والتّكريم، فقال له: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
(٣)
ولأنّ الرّعيل الأول من الصّحب الكرام هم الجيل المثاليّ؛ لأنّهم خرّيجو مدرسة النّبوّة، الّذين تلقّفوا الفرقان غضّا طريّا من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّهم كانوا أشدّ الخلق هيبة له، وأكثرهم أدبا معه، وأعظمهم إجلالا له وتوقيرا.. من أجل ذلك لم يكونوا يرفعون أبصارهم إلى محيّاه هيبة وإجلالا، وإعظاما وإكبارا.
وإذا تأمّلنا معظم أحاديث الشّمائل التي تحكي صفات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخلقيّة.. نجد أن رواتها من الصّحابة أحد اثنين: