للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلمه جهله، ولا يزيده شدّة الجهل [عليه] إلّا حلما، فقد اختبرتهما، فأشهدك أنّي قد رضيت بالله ربّا؛ وبالإسلام دينا، وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم نبيّا.

قال القاضي عياض في «الشّفا» : (وحسبك ما ذكرناه ممّا في «الصّحيح» والمصنّفات الثّابتة، ممّا بلغ متواترا مبلغ اليقين: من صبره على مقاساة قريش، وأذى الجاهليّة، ومصابرة الشّدائد الصّعبة معهم، إلى أن أظفره الله تعالى عليهم- يعني: بفتح مكّة- وحكّمه فيهم وهم لا يشكّون في استئصال شأفتهم «١» ، وإبادة خضرائهم- أي: إهلاك جماعتهم- فما زاد على أن عفا وصفح، وقال: «ما تقولون أنّي فاعل بكم؟» ، قالوا: خيرا؛ أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: «اذهبوا؛ فأنتم الطّلقاء» .

وقال أنس رضي الله تعالى عنه: هبط ثمانون رجلا من التّنعيم صلاة الصّبح ليقتلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذوا، فأعتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الفتح: ٢٤] .

وقال [صلّى الله عليه وسلّم] لأبي سفيان- وقد سبق إليه بعد أن جلب عليه الأحزاب، وقتل عمّه وأصحابه ومثّل بهم، فعفا عنه، ولاطفه في القول- وقال: «ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم ألاإله


(١) أي: إزالتهم من أصلهم.

<<  <   >  >>