من الشروح المهمة فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي الحنبلي نزيل دمشق المتوفى سنة خمسٍ وتسعين وسبعمائة، بعد الزركشي بسنة، وهو شرح لم يكمل وصل فيه مؤلفه إلى كتاب الجنائز، وهذا القدر الذي أتمه الحافظ ابن رجب -رحمه الله- من عجائب الدهر، ولو قدّر تمامه لاستغنى به طالب العلم عن غيره لا سيما ما يتعلق بنقل أقوال السلف وفهمهم للنصوص، عناية الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بأقوال السلف، بينما عناية أكثر الشرح بنقل أقوال المتأخرين، وهذه ميزة للحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-؛ لأن فهم السلف للنصوص أولى ما يعتمد، وأجدر ما يعتنى به من غيره، الكتاب مملوء –مشحون- بالفوائد الحديثية والفقهية واللغوية، ففي الجانب الحديثي يعتني الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بعلل الأحاديث، عنايةً فائقة ويستطرد في ذكر الاختلاف على الرواة سالكاً في الترجيح طريقة المتقدمين في العمل بالقرائن من غير نظرٍ إلى الأحكام المطردة، وبالمناسبة تكثر الدعوة إلى محاكاة المتقدمين في طريقتهم، ونبذ قواعد المتأخرين، كثرت الدعوة هذه وسبقتها سنين الدعوة إلى نبذ كتب الفقه وتقليد الأئمة إلى الأخذ من النصوص مباشرة، هذا الكلام صحيح لا إشكال فيه إلا أنه لا ينبغي أن يلقى على جميع طبقات المتعلمين؛ لأن المبتدئ في العلم سواء كان في علم الحديث أو في الفقه، المبتدئ حكمه حكم العامي، عليه أن يقلد أهل العلم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(٧) سورة الأنبياء] فالذي ليست لديه أهلية النظر في النصوص والموازنة بينها لا يمكن أن يستنبط من الكتاب والسنة، إنما عليه أن يقلد أهل العلم، يتفقه على مذهب ثم بعد ذلك ينظر في هذه المسائل التي حصلها من هذا المذهب، ينظر فيها واحدةً بعد الأخرى، موازنة بين أقوال الأئمة وأدلتهم، والخلوص إلى الراجح من أقوالهم، مثله أيضاً ما يتعلق بالأحاديث من حيث التصحيح والتضعيف، الأصل في هذا كلام المتقدمين بلا شك، والمتأخرون إنما قبسوا من أنواع المتقدمين، فلولا المتقدمون ما صار للمتأخرين شيء، إنما المتأخرون حاولوا أن يضبطوا القواعد