هذا (التنقيح) مختصر جداً، وهو بالألغاز أشبه، يكتب على الحديث سطر أو سطرين، أحياناً يكتب ثلاثة لا تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً، عليه نكت من الحافظ ابن حجر، وعليه أيضاً نكت أخرى للقاضي محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي، وأما (الفصيح) الذي ذكره فذكر القسطلاني أنه رأى منه قطعة بخط مؤلفه، هذا التنقيح المختصر للزركشي، وإن زعم صاحبه أنه يكاد يستغني به اللبيب عن الشروح؛ لأن أكثر الحديث ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وإنما يشرح ما يشكل فهو كلام صحيح بحد ذاته، الذي يقرأ في صحيح البخاري من أوله إلى آخره بغض النظر عن مناسبة الحديث للترجمة، وهو متوسط الفهم، متوسط التحصيل يخرج بفائدة طيبة، كثير منه لا يشكل، يعني إذا استثنينا المناسبة بين الحديث والترجمة التي هي قد عجز الفحول عن استنباطها، إذا استثنينا الرابط بين الحديث والترجمة وبعض الألفاظ المشكلة، طالب العلم متوسط التحصيل متوسط الذكاء يخرج بفائدة كبيرة بمجرد قراءة المتن، هذا الكلام صحيح لكن الشروح المطولة التي يرى الشارح هذا أنه يمكن أن يستغني بكتابه عنها الوافية لا يمكن أن يستغني عنها طالب العلم أبداً؛ لأنها تولد فيه ملكة يتمكن بواسطتها من محاكاة العلماء في الاستنباط من النصوص وكيفية معالجتها من جميع النواحي، وبهذا يتفتّق ذهن الطالب، تجتمع له العلوم في كتابٍ واحد، فالمطولات كالروضات ينتقل فيها الطالب من فنٍ إلى آخر، ففيها ما يتعلق بالقرآن وعلومه، والحديث وفنونه، ومذاهب العلماء والآداب والفوائد المستنبطة من الحديث من قربٍ أو بعد.
على كل الشروح المطولة لا يمكن أن يستغنى عنها، وكم من حديث بحث عنه في عشرة شروح، ولم يصل الباحث فيه إلى حلٍ يشفي، وكم من آية روجع عليها والقرآن بأفصح عبارة، وأوضح بيان، روجع على بعض الآيات التفاسير الكثيرة، ومع ذلكم يبقى الإشكال، وإن كان الإشكال نسبياً بين شخصٍ إلى آخر، فالمطولات سواء كانت من كتب التفسير أو الشروح لا يمكن أن يستغنى عنها بحال.