الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يعتني بالمسائل الأصولية كثيراً، ويحرر المسائل الشائكة في هذا الباب فمثلاً في الجزء الثاني صفحة (٦٩) يقول: "والأمر بعد الحظر يعيد الأمر إلى ما كان عليه عند كثيرٍ من الفقهاء" نعم المشهور عند جمع من أهل العلم أن الأمر بعد الحظر للإباحة، لكن المحقق عند أهل العلم أنه يعيد الأمر إلى ما كان، أو يعيد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر، في صفحة (٢١٠) وهذه من الدقائق، يقول في حديث:((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) والكلام في هذه اللفظة كثير لأهل العلم، وتخصيص التيمم بالتراب أو تعميمه بجميع ما على وجه الأرض مسألة طويلة الذيول، شائكة المباحث عند أهل العلم، فهذه اللفظة:((وجعلت تربتها)) لا شك أن الحديث من الخصائص، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) هذا من الخصائص، وأحاديث الخصائص يرى ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- وبقوله يقول ابن حجر: أن أحاديث الخصائص لا تحتمل التخصيص، يعني إن جاءت عامة فلا تحتمل التخصيص، وإن جاءت مطلقة لا تحتمل التقييد؛ لأن هذه الخصائص إنما جاءت تشريفاً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وتخصيص الخصائص تقليل لهذا التشريف، ولذا لا مانع عند ابن عبد البر أن يصلي الشخص في المقبرة، وإن ورد المنع منها؛ لأن حديث:((جعلت لي الأرض مسجدا ًوطهوراً)) والأرض يشمل الأرض بجميع أجزائها بما في ذلك المقبرة، ولو قلنا: بالتخصيص فأخرجنا المقبرة قللنا هذا التخصيص وهو من الخصائص التي لا تقبل التخصيص عنده، فالتخصيص تقليل لهذه الخصائص، لا شك أن شرف النبي -عليه الصلاة والسلام- وشرف أمته بسببه، وبركة اتباعه -عليه الصلاة والسلام- أمر معلوم من الدين بالضرورة، هو أشرف الخلق على الإطلاق، نعم إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق غيره قدم حقه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله -سبحانه وتعالى-، لا شك أن المقدم هو حق الله -سبحانه وتعالى-، والمنع من الصلاة في المقبرة حماية لجناب التوحيد فهو من حق الله -سبحانه وتعالى-، وعلى هذا يكون التخصيص هو الوجيه في مثل هذه المسألة.