أيضاً هو في توحيد العبادة عنده شيء من الخلل، يقول في الثاني والعشرين صفحة (١٤٩): "وقد كنت متشرفاً عند شرح هذا الباب بابتداء مجاورة قبره المبارك -يعني قبر ابن عباس- بالحرم المحرم بوج الطائف"، نقل عن الأشعرية في مواضع مقراً لأقوالهم ففي صفحة (١٩٧) من الجزء الأول وصفحة (٨٨) من الجزء الثاني والعشرين، صفحة (١٠٦) من الجزء الرابع والعشرين يقول: "يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس ولا يرى ما حولها".
على كلٍ الكلام في الكتاب كثير جداً، أيضاً من الناحية الاصطلاحية قرر أن شرط البخاري في صحيحه أن لا يروي إلا ما رواه اثنان عن اثنين .. إلى آخره، تابعاً في ذلك الحاكم فيما يفهم من كلامه والبيهقي وغيرهم، من العرب أيضاً زعموا أن شرط البخاري أنه لا يقبل رواية الواحد، بل لا بد من التعدد في الرواية؛ لكن لا شك أن هذا جهل بالكتاب الذي يشرحه، أول حديث في الصحيح من رواية فرد عن فرد عن فرد .. الخ، فيه أربع من طبقات، حديث (الأعمال بالنيات) تفرد به عمر -رضي الله عنه- في بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم تفرد به عنه علقمة بن وقاص، ثم تفرد به عنه محمد بن إبراهيم التيمي، ثم تفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ومثله آخر حديث في الصحيح، حديث:((كلمتان خفيفتان على اللسان)) .. الخ، تفرد به أبو هريرة، وعنه أبو زرعة ابن عمرو بن جرير البجلي، وعنه عمارة بن القعقاع وعنه محمد بن فضيل، وعن محمد بن فضيل انتشر الحديث، كما أن الحديث الأول انتشر عن يحيى بن سعيد، المقصود أنهما من الغرائب التي لم يروها إلا الواحد عن الواحد، وهما كفيلان بالرد على من يزعم أن العدد شرط للصحة مطلقاً، أو شرط للبخاري في صحيحه، وغير ذلك من المسائل التي يمكن مناقشته فيها، ولو ذهبنا نستطرد ونذكر كلما لوحظ على الكتاب لطال بنا المقام جداً.
ونقف على فتح الباري للحافظ ابن حجر ومعه أيضاً عمدة القاري مع ذكر ما بينهما من المناقشات الطويلة والردود، ثم نختم الكلام بالنسبة لما يتعلق بصحيح البخاري بإرشاد الساري غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.