لا شك أن من ينتسب إلى الحديث بحاجة إلى الدرب على الاستنباط، ومعرفة معاني الأحاديث، وما يستفاد منها، وما يخدمها من علوم اللغة، وأصول الحديث وأصول الفقه وقواعد التفسير، المقصود أن النصوص بحاجة إلى من يخدمها، فعلى طالب الحديث أن يعتني بما يسمى علوم الآلة، فيعرف من علوم الحديث ما يستطيع بواسطته أن يصحح ويضعف، ويعرف من علوم القرآن وقواعد التفسير ما يستطيع أن يتعامل به مع الآيات على طريقٍ سديد، على سنة من سلف؛ لأنه إن اقتصر على مجرد النصوص لا يعرف حينئذٍ العام من الخاص، المنطوق، المفهوم، المطلق، المقيد، الناسخ، المنسوخ، والنصوص كلها مشتملة على هذا كله.
ثم أشاد بسنن أبي داود بكلامٍ نقلنا جله، ثم ذكر أقسام الحديث عند أهله، وأنه ثلاثة أقسام، صحيح وحسن وسقيم، وعرف الأقسام الثلاثة، تقسيمه للحديث وحصره الأقسام في الثلاثة حقيقةً لم يسبق إليه، يعني أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام هو الخطابي في مقدمة المعالم، نعم الأقسام الثلاثة موجودة في كلام الأئمة، وجد عندهم ذكر الصحيح، ووجد ذكر الحسن ووجد ذكر الضعيف؛ لكن من غير حصرٍ في الأقسام الثلاثة، ولذا انتقد الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- حصر الأقسام في الثلاثة، وقال: "إن كان هذا التقسيم يرجع إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح أو كذب ولا ثالث لهما، وإن كان راجع إلى استعمالهم فالأقسام عندهم أكثر من ذلك؛ لكن الجواب أن هذا التقسيم بالنسبة إلى استعمال أهل العلم، وما عدا الأقسام الثلاثة داخل فيها، كما هو معلوم، وكتاب أبي سليمان الخطابي على اختصاره من أنفس الشروح لإمامة مؤلفه، ورسوخ قدمه، ومن الإمامة في الدين، وإن كان منهجه في الاعتقاد على ما سمعنا سابقاً في كتابه (أعلام السنن) وما نقلناه عن شيخ الإسلام عن كتاب الغنية له.