للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} ١. والجن أيضا يتبرأون منهم ويتنصلون من عبادتهم لهم، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ٢" انتهى كلامه.

روى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه} ٣ مباهاة ومضاهاة للحق سبحانه بالأنداد {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} ٤ من الكفار لأوثانهم.

قال المصنف - رحمه الله تعالى -: "ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: آية البقرة في الكفار الذين قال الله تعالى فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله. فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما، فلم يدخلوا في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده؟ " اهـ.

ففي الآية بيان أن من أشرك مع الله تعالى غيره في المحبة فقد جعله شريكا لله في العبادة واتخذه ندا من دون الله، وأن ذلك هو الشرك الذي لا يغفره الله، كما قال تعالى في أولئك: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} ٥. وقوله: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} ٦ المراد بالظلم هنا الشرك. كقوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ٧ كما تقدم. فمن أحب الله وحده، وأحب فيه وله فهو مخلص، ومن أحبه وأحب معه غيره فهو مشرك; كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ٨

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ما معناه: فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة، لزم أن يكون محبا له، ومحبته هي الأصل في ذلك. انتهى. فكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" تنفي كل شرك في أي نوع كان من أنواع العبادة، وتثبت العبادة بجميع أفرادها لله تعالى. وقد تقدم بيان أن "الإله هو المألوه الذي تألهه


١ سورة سبأ آية: ٤١.
٢ سورة الأحقاف آية: ٥-٦.
٣ سورة البقرة آية: ١٦٥.
٤ سورة البقرة آية: ١٦٥.
٥ سورة البقرة آية: ١٦٧.
٦ سورة البقرة آية: ١٦٥.
٧ سورة الأنعام آية: ٨٢.
٨ سورة البقرة آية: ٢١-٢٢.

<<  <   >  >>