للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبادة له دون كل ما سواه، فإذا تقربوا إلى غير الله بالذبح أو غيره من أنواع العبادة، فقد جعلوا لله شريكا في عبادته، ظاهر في قوله: {لا شَرِيكَ لَهُ} ١ نفى أن يكون الله تعالى شريك في هذه العبادات، وهو بحمد الله واضح٢.

قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ٣ قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: "أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين، وهما الصلاة والنسك، الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم، والذين لا ينحرون له خوفا من الفقر، ولهذا جمع بينهما في قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} - الآية. والنسك: الذبيحة لله تعالى ابتغاء وجهه؛ فإنهما أجل ما يتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب; لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله تعالى من الكوثر. وأجل العبادات البدنية: الصلاة; وأجل العبادات المالية: النحر. وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وما يجتمع له في النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص، من قوة اليقين وحسن الظن أمر عجيب، وكان النبي صلي الله عليه وسلم كثير الصلاة، كثير النحر". اهـ.

قلت: وقد تضمنت الصلاة من أنواع العبادات كثيرا، فمن ذلك الدعاء والتكبير، والتسبيح والقراءة، والتسميع والثناء، والقيام والركوع، والسجود والاعتدال، وإقامة الوجه لله تعالى، والإقبال عليه بالقلب; وغير ذلك مما هو مشروع في الصلاة، وكل هذه الأمور من أنواع العبادة التي لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله، وكذلك النسك يتضمن أمورا من العبادة كما تقدم في كلام شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -.

قوله: وعن علي ابن أبي طالب قال: " حدثني رسول الله صلي الله عليه وسلم بأربع


١ سورة الأنعام آية: ١٦٣.
٢ في قرة العيون: والمقصود أن هذه الآية دلت على أن أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله كائنا من كان، فمن صرف منها شيئا لغير الله فقد وقع فيما نفاه تعالى من الشرك بقوله: (وما أنا من المشركين) . والقرآن كله في تقرير هذا التوحيد في عبادته وبيانه ونفي الشرك والبراءة منه.
٣ سورة الكوثر آية: ٢.

<<  <   >  >>