للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للإسلام وأهله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجد قباء كعمرة " ١ وفي الصحيح.

" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يزور قباء راكبا وماشيا "٢. وقد صرح أن المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء جماعة من السلف، منهم ابن عباس، وعروة; وعطية، والشعبي، والحسن وغيرهم.

قلت: ويؤيده قوله في الآية: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ٣ وقيل: هو مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ لحديث أبي سعيد قال: " تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء. وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا٤ " رواه مسلم، وهو قول عمر وابنه وزيد بن ثابت وغيرهم.

قال ابن كثير: وهذا صحيح. ولا منافاة بين الآية والحديث؛ لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم بطريق أولى، وهذا بخلاف مسجد الضرار الذي أسس على معصية الله كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ٥ فلهذه الأمور نهى الله نبيه عن القيام فيه للصلاة. وكان الذين بنوه جاءوا إلى النبي صلي الله عليه وسلم قبل خروجه إلى غزوة تبوك فسألوه أن يصلي فيه، وأنهم إنما بنوه للضعفاء وأهل العلة في الليلة الشاتية، فقال: " إنا على سفر; ولكن إذا رجعنا - إن شاء الله - فلما قفل - عليه السلام - راجعا إلى المدينة; ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعضه نزل الوحي بخبر المسجد، فبعث إليه فهدمه قبل قدومه إلى المدينة. "٦٧.

وجه مناسبة الآية للترجمة: أن المواضع المعدة للذبح لغير الله يجب اجتناب الذبح فيها لله،


١ صحيح: الترمذي: كتاب الصلاة (٣٢٤) : باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء. وحسنه وابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة (١٤١١) : باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء والحاكم (١/٤٨٧) من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري وصححه الأرناؤوط في تخريج شرح السنة (٢/٣٤٤) لشواهده.
٢ البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (١١٩٣) : باب من أتى مسجد قباء كل سبت. ومسلم: كتاب الحج (١٣٩٩) (٥١٥) : باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
٣ سورة التوبة آية: ١٠٨.
٤ مسلم: كتاب الحج (١٣٩٨) (٥١٤) : باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
٥ سورة التوبة آية: ١٠٧.
٦ ضعيف. رواه إسحاق كما في تفسير ابن كثير (٢/٣٨٨) ، وابن جرير (١١/١٧,١٨) عن جماعة من التابعين مرسلا وفيه عنعنة ابن إسحاق. أفاده الدوسري في النهج السديد (٧١) .
٧ كان أبو عامر الفاسق الخزرجي قد ذهب إلى هرقل بعد غزوة أحد, يستعديه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعده هرقل ومناه، فأرسل جماعة من قومه من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغلبه ويرده عما هو فيه, وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم, فبنوا هذا المسجد، والذي هدمه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحرقه مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخوه عامر بن عدي.

<<  <   >  >>