للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير: أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس؛ لأنهم كانوا يعوذون بنا، أي إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوءهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا، أي خوفا وإرهابا وذعرا، حتى يبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم - إلى أن قال - قال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم: "رهقا" أي خوفا. وقال العوفي عن ابن عباس: "فزادوهم رهقا" أي إثما، وكذا قال قتادة" اهـ.

وذاك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بواد قفر وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد كبير الجن. وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستعاذة بغير الله.

وقال ملا علي قاري الحنفي: لا يجوز الاستعاذة بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك وذكر الآية وقال: قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ١ فاستمتاع الإنس بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره وإخباره بشيء من المغيبات، واستمتاع الجني بالإنسي تعظيمه إياه، واستعاذته به وخضوعه له. انتهى ملخصا.

قال المصنف: "وفيه أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية لا يدل على أنه ليس من الشرك".

قوله: "وعن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " رواه مسلم.

هي خولة بنت حكيم بن أمية السلمية، يقال: لها أم شريك، ويقال: إنها هي الواهبة٢


١ سورة الأنعام آية: ١٢٨.
٢ التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>