لربه، وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال. فإذا كان فيما يقدر عليه صلي الله عليه وسلم في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته ويطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل؟ كما جرى على ألسنة كثير من الشعراء كالبوصيري١ والبرعي
١ مثل قوله في البردة: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم. ويزعمون أن البوصيري أعظم من مدح النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرونه أكثر مما يذكرون حسان بن ثابت وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم -; لأنهم في زعمهم لم يبلغوا من الغلو والإطراء ما بلغ البوصيري. وهذا هو الغلو الذي جر إلى الشرك والكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم كما كفرت النصارى بعيسى بن مريم - عليه السلام - من طريق هذا الغلو. وقد حذرنا الله منه في كتابه الكريم بقوله: (٤: ١٧١) (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) . وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فأنا عبد الله ورسوله" صلى الله عليه وسلم. وإنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم وحبه باتباع سنته وإقامة ملته ودفع كل ما يلصقه الجاهلون بها من الخرافات. فقد ترك أكثر الناس هذا وشغلوا بهذا الغلو والإطراء الذي أوقعهم في هذا الشرك العظيم. ونحمد الله أن عافانا بفضله وجعلنا مؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم معظمين له ومحبين بما يحبه الله ورسوله لنا على مثل ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وقد عظمت المصيبة بهذا الشرك حتى اتخذ أعداء الرسول -الزاعمون جهلا وكذبا حبه- هذه البردة وردا كالقرآن وأعظم من القرآن; وكتبوها مجودة بماء الذهب كما كتبوا القرآن, وربما اشتدت عنايتهم بها أكثر من القرآن. فلا حول ولا قوة إلا بالله.