للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: "سليني من مالي ما شئت". ١ بيّن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه لا ينجي من عذاب الله إلا الإيمان والعمل والصالح.

وفيه: أنه لا يجوز أن يسأل العبد إلا ما يقدر عليه من أمور الدنيا. وأما الرحمة والمغفرة والجنة والنجاة من النار ونحو ذلك من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فلا يجوز أن يطلب إلا منه تعالى; فإن ما عند الله لا ينال إلا بتجريد التوحيد، والإخلاص له بما شرعه ورضيه لعباده أن يتقربوا إليه به، فإذا كان لا ينفع بنته ولا عمه ولا عمته ولا قرابته إلا ذلك، فغيرهم أولى وأحرى. وفي قصة عمه أبي طالب معتبر.

فانظر إلى الواقع الآن من كثير من الناس من الالتجاء إلى الأموات والتوجه إليهم بالرغبات والرهبات، وهم عاجزون لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فضلا عن غيرهم يتبين لك أنهم ليسوا على شيء {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ٢ أظهر لهم الشيطان الشرك في قالب محبة الصالحين، وكل صالح يبرأ إلى الله من هذا الشرك في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ولاريب أن محبة الصالحين إنما تحصل

فيه مسائل:

الأولى: تفسير الآيتين ٣.

الثانية: قصة أُحد.

الثالثة: قنوت سيد المرسلين وخلفه سادات الأولياء يؤمّنون في الصلاة.

الرابعة: أن المدعو عليهم كفار.

الخامسة: أنهم فعلوا أشياء ما فعلها غالب الكفار، منها شجّهم نبيهم وحرصهم على قتله. ومنها: التمثيل بالقتلى مع أنهم بنو عمهم.

السادسة: أنزل الله عليه في ذلك {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} ٤.

السابعة: قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} ٥ فتاب عليهم فآمنوا.

الثامنة: القنوت في النوازل.

التاسعة: تسمية المدعو عليهم في الصلاة بأسمائهم وأسماء آبائهم.

العاشرة: لعن المعيّن في القنوت.

الحادية عشرة: قصته صلي الله عليه وسلم لما أُنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ٦.

الثانية عشرة: جده صلي الله عليه وسلم بحيث فعل ما نُسب بسببه إلى الجنون، وكذلك لو يفعله مسلم الآن.

الثالثة عشرة: قوله للأبعد والأقرب: لا أغني عنك من الله شيئا حتى قال: يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا. فإذا صرح وهو سيد المرسلين بأنه لا يغني شيئا عن سيدة نساء العالمين، وآمن الإنسان أنه صلي الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اليوم، تبين له التوحيد وغربة الدين.


١ في قرة العيون: لأن هذا هو الذي يقدر عليه صلى الله عليه وسلم، وما كان أمره إلى الله سبحانه فلا قدرة لأحد عليه كما في هذا الحديث, ولما مات أبو طالب وكان يحوط رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحميه ولم ينكر ملة عبد المطلب من الشرك بالله، وقال صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك "، فأنزل الله تعالى: (٩: ١١٣) (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) فأخبر أن أبا طالب من أصحاب النار لما مات على غير شهادة أن لا إله إلا الله, فلم ينفعه حمايته النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون من المشركين، ولا الاعتراف بأن النبي صلى الله عليه وسلم على الحق بدون البراءة من الشرك؛ لأنه لم يبرأ من ملة أبيه، فكل تعلق على غير الله من طلب شفاعة أو غيرها شرك بالله يكون عليه وبالا في الدنيا والآخرة, والشفاعة لا تكون إلا لأهل الإخلاص خاصة, كما قال تعالى: (٦: ٥١) (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) . والآيات في هذا المعنى كثيرة وكذلك الأحاديث والله أعلم. وسيأتي في باب الشفاعة إن شاء الله تعالى.
٢ سورة الأعراف آية: ٣٠.
٣ يعني قوله تعالى: (لا يستطيعون لهم نصرا) وقوله: (ما يملكون من قطمير) ؛ لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم لا يغني عن قرابته شيئا. فغيره أولى ان يعجز عن ضر أو نفع لنفسه أو لغيره.
٤ سورة آل عمران آية: ١٢٨.
٥ سورة آل عمران آية: ١٢٨.
٦ سورة الشعراء آية: ٢١٤.

<<  <   >  >>