للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: ويكون الإذن في زيارة القبور مخصوصا للرجال، خص بقوله: " لعن الله زوّرات القبور ... الحديث " فيكون من العام المخصوص.

وعما استدل به القائلون بالنسخ أجوبة أيضا.

منها: أن ما ذكروه عن عائشة وفاطمة -رضي الله عنهما- معارض بما ورد عنهما في هذا الباب فلا يثبت به نسخ.

ومنها: أن قول الصحابي وفعله ليس حجة على الحديث بلا نزاع. وأما تعليمه عائشة كيف تقول إذا زارت القبور ونحو ذلك، فلا يدل على نسخ ما دلت عليه الأحاديث الثلاثة من لعن زائرات القبور، لاحتمال أن يكون ذلك قبل هذا النهي الأكيد والوعيد الشديد والله أعلم.

قال محمد بن إسماعيل الصنعاني -رحمه الله- في كتابه تطهير الاعتقاد: " فإن هذه القباب والمشاهد التي صارت أعظم ذريعة إلى الشرك والإلحاد، وأكبر وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنيانه: غالب - بل كل - من يعمرها هم الملوك والسلاطين والرؤساء والولاة، إما على قريب لهم أو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أو عالم أو صوفي أو فقير أو شيخ كبير، ويزوره الناس الذين يعرفونه زيارة الأموات من دون توسل به ولا هتف باسمه، بل يدعون له ويستغفرون حتى ينقرض من يعرفه أو أكثرهم، فيأتي من بعدهم فيجد قبرا قد شيد عليه البناء، وسرجت عليه الشموع، وفرش بالفراش الفاخر، وأرخيت عليه الستور، وألقيت عليه الأوراد والزهور، فيعتقد أن ذلك لنفع أو دفع ضر، وتأتيه السدنة يكذبون على الميت بأنه فعل وفعل، وأنزل بفلان الضر وبفلان النفع، حتى يغرسوا في جبلته كل باطل، والأمر ما ثبت في الأحاديث النبوية من لعن١ من أسرج على القبور وكتب عليها وبنى عليها. وأحاديث ذلك واسعة معروفة؛ فإن ذلك في نفسه منهي عنه، ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة". انتهى.

ومنه تعلم مطابقة الحديث للترجمة والله أعلم.

قوله: "والمتخذين عليها المساجد" تقدم شرحه في الباب قبله.

قوله: "السُّرُج" قال أبو محمد المقدسي: " لو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن من فعله؛


١ في تطهير الاعتقاد: ولهذا الأمر ثبت في الأحاديث النبوية اللعن على من أسرج القبور إلخ.

<<  <   >  >>