للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما فيه أحد غيري وغيره، ثم نَشَغ أبو هريرة نَشْغة١ ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما فيه غيري أحد وغيره. ثم نَشَغ أبو هريرة نَشْغة أخرى، ثم مال خارا على وجهه; واشتد به طويلا. ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة نزل إلى القيامة ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية. فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان قارئ فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له: فبماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان جريء فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعّر بهم النار يوم القيامة " ٢.


١ نشغ بفتح النون والشين المعجمة وبعدها غين معجمة; أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفا وخوفا.
٢ تمام الحديث عند ابن جرير وغيره: "قال أبو عثمان الوليد: فأخبرني عقبة أن شفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا. قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم، أنه كان سيافا لمعاوية قال: فدخل عليه رجل فحدثه بهذا عن أبي هريرة, فقال معاوية: وقد فعل بهؤلاء هذا؟ فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هلك, وقلنا: قد جاء هذا الرجل بشر. ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال: صدق الله ورسوله (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) . قال المنذري: ورواه ابن خزيمة في صحيحه.

<<  <   >  >>