للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسلم حي " وروى الترمذي وغيره عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم " كوى أسعد بن زرارة من الشوكة "١٢.

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعا: " الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي " ٣. وفي لفظ: " وما أحب أن أكتوي٤".

قال ابن القيم - رحمه الله -: قد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع:

"أحدها" فعله.

"والثاني" عدم محبته.

"والثالث" الثناء على من تركه.

"والرابع" النهي عنه. ولا تعارض بينها بحمد الله؛ فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة.

قوله: "ولا يتطيرون" أي لا يتشاءمون بالطيور ونحوها. وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الطيرة وما يتعلق بها في بابها.

قوله: " وعلى ربهم يتوكلون" ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال والخصال وهو التوكل على الله، وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه، الذي هو نهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف: من المحبة والرجاء والخوف، والرضا به ربا وإلها، والرضا بقضائه.

واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلا; فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري، لا انفكاك لأحد عنه; بل نفس التوكل: مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ٥ أي كافيه. وإنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها; توكلا على الله

تعالى، كالاكتواء والاسترقاء، فتركهم له لكونه سببا مكروها، لا سيما والمريض يتشبث - فيما يظنه سببا لشفائه - بخيط العنكبوت.

وأما مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهة فيه، فغير قادح في التوكل، فلا


١ قال في النهاية, الشوكة: حمرة تعلو الوجه والجسد.
٢ صحيح: الترمذي: كتاب الطب (٢٠٥٠) : باب ما جاء في الرخصة في ذلك. وقال الترمذي: حديث حسن غريب وابن حبان (١٤٠٤- موارد) . وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (٣/١٠١) : "إسناده ثقات" اهـ.
٣ البخاري: الطب (٥٦٨٠) , وابن ماجه: الطب (٣٤٩١) , وأحمد (١/٢٤٥) .
٤ البخاري: كتاب الطب (٥٦٨٠) , (٥٦٨١) : باب الشفاء في ثلاث.
٥ سورة الطلاق آية: ٣.

<<  <   >  >>