"ولو أحرم إحراماً مطلقاً جاز، فلو أحرم بالقصد للحج من حيث الجملة، ولا يعرف هذا التفصيل جاز، ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصداً للنسك، ولم يسم شيئاً بلفظه ولا قصد بقلبه لا تمتعاً ولا إفراداً ولا قراناً صح حجه أيضاً، وفعل واحداً من الثلاثة، فإن فعل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه كان حسناً وهو أكمل".
"وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أن تشترط على ربها، لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت، ولم يكن يأمر بذلك كل من حج، وكذلك إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله ولم يأمر به الناس، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أحداً بعبارة بعينها، وإنما يقال: أهل بالحج، أهل بالعمرة، أو يقال: لبى بالحج، لبى بالعمرة، وهو تأويل قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(١٩٧) سورة البقرة].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً" هذا الاشتراط يختلف فيه أهل العلم فمنهم من يرى أنه لا أثر له، وأنه اشترط أو لم يشترط دخل في النسك لا بد من إتمامه:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(١٩٦) سورة البقرة] وهذا خاص بهذه المرأة، ومنهم من يرى أنه ينفع مطلقاً، فكل من حج له أن يشترط، ومتى ما حصل له أي عذر، وأي مبرر سواءً كان قهرياً أو اختياراً فإنه له أن ينصرف، ومنهم من يتوسط، فيقول بالاشتراط في مثل حال هذه المرأة لما ظهرت عليه علامات الحاجة إليه، ويبقى البقية كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وغير هذه المرأة من أصحابه -عليه الصلاة والسلام- كلهم لم يشترطوا، وهذا هو أعدل الأقوال.