"وليس للمحرم أن يلبس شيئاً مما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه إلا لحاجة، كما أنه ليس للصائم أن يفطر إلا لحاجة، والحاجة مثل البرد الذي يخاف أن يمرضه إذا لم يغط رأسه، أو مثل مرض نزل به يحتاج معه إلى تغطية رأسه فيلبس قدر الحاجة، فإذا استغنى عنه نزع، وعليه أن يفتدي: إما بصيام ثلاثة أيام، وإما بنسك شاة، وإما بإطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من تمر أو شعير، أو مد من بر، وإن أطعمه خبزاً جاز، ويكون رطلين بالعراقي قريباً من نصف رطل بالدمشقي، وينبغي أن يكون مأدوماً وإن أطعمه مما يأكل: كالبقسماط والرقاق ونحو ذلك جاز، وهو أفضل من أن يعطيه قمحاً أو شعيراً، وكذلك في سائر الكفارات إذا أعطاه مما يقتات به مع أدمه فهو أفضل من أن يعطيه حباً مجرداً، إذا لم يكن عادتهم أن يطحنوا بأيديهم، ويخبزوا بأيديهم، والواجب في ذلك كله ما ذكره الله تعالى بقوله:{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [(٨٩) سورة المائدة] .. الآية، فأمر الله تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم الناس أهليهم، وقد تنازع العلماء في ذلك هل ذلك مقدر بالشرع أو يرجع فيه إلى العرف، وكذلك تنازعوا في النفقة: نفقة الزوجة، والراجح في هذا كله أن يرجع فيه إلى العرف، فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم، ولما كان كعب بن عجرة ونحوه يقتاتون التمر أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطعم فرقاً من التمر بين ستة مساكين، والفرْق ستة عشر رطلاً بالبغدادي ...
محرك فَرَق.
والفَرَق ستة عشر رطلاً بالبغدادي، وهذه الفدية يجوز أن يخرجها إذا احتاج إلى فعل المحظور قبله وبعده، ويجوز أن يذبح النسك قبل أن يصل إلى مكة، ويصوم الأيام الثلاثة متتابعةً إن شاء، ومتفرقةً إن شاء، فإن كان له عذر أخر فعلها، وإلا عجل فعلها، وإذا لبس ثم لبس مراراً ولم يكن أدى الفدية أجزأته فدية واحدة في أظهر قولي العلماء".