للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبعده: مهم. فظننت أن القاسم بنزقه وغيظه قد أنفذ إلى داري قوماً ووكل بهم. فأسرعت إلى فضها وعقلي زائل، وروعي زائد، فإذا فيها: صار إلى بابنا نسوة وطلبن من يكلمهن، وخرجت إليهن، فدخلن الدهليز وكشفت إحداهن عن وجهها فإذا هو فلان العامل فنحى إزاره وخفه، وفعل غلام كان معه مثل فعله، وجلسا في الدار، وانصرف من كان معهما من النساء، وأمرني بأن أطالعك بخبره وأقول لك عنه: قد سلمت نفسي إليك جزاءً لفعلك اليوم، وثقةً بوعدك وأخذك بيدي ومعاونتي على أمري، فافعل ما تراه. فحين قرأتها عادت نفسي واشتد سروري، وتقوض المجلس، وقال لي القاسم: هات ما عندك في جواب قولي لك. قلت: نعم، ما الأمر على ما وقع لك في بابي، بل عندي من المعاونة والمعاضده والخدمة والطاعة وبذل القدرة والاستطاعة واطراح الديانة والأمانة في كل ما يخفف عنك، ويقرب منك أكثر مما يجب لمثلك على مثلي، ولكنك أيها الوزير تستقصر الفعل، وتريد زيادة على ما في الوسع، وإن كان هذا العامل ينصف في مواقفته ومحاسبته أحضرته الساعة. فأسفر وجهه وقال: أنكرت أن يكون منك إلا ما تقتضيه الثقة بك، والآن فقد رددت أمره إليك ورضيت بحكمك فيه، فرح به عشياً إلى حضرتي واعمل من ديوانك عملاً لما يجب عليه. وقال لكتاب الدواوين جميعاً أن يعملوا مثل ذلك.

وانصرفت إلى داري، وقلت للرجل كل ما سكنت به نفسه، وأزلت معه إشفاقه، وجعلته على ثقة من تكفلي بأمره، وأمرته بأن يروح معي. فلبس أحسن لباس وتطيب أكثر طيب وجاء معي، فقلت له: قد أسرفت في لباسك وطيبك لي: حالي على جملتها، وما ألزمت ما شعثها، ولأن يرى الوزير مني مروءة يستدل بها على كثرة كلفي ومؤني أولى من غير ذلك.

<<  <   >  >>