للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ودخلنا إلى القاسم بن عبيد الله معاً فأراد الرجل أن يقبل يده فمنعه وضمه إليه حتى قبل كتفه، وأحضر كتاب الدواوين فقال لهم: ناظروه. فكان يناظر على عمل بعد عمل ويبطل باباً ويصح باباً، وكلما صح شيء أخذ به خطه وأرجه أحد الكتاب إلى أن وجبت صلاة المغرب وصلينا، ثم أقبل على الكاتب وقال له: كم جملة ما أرجته مما كتب به خطه؟ قال: ستة وثلاثون ألف دينار ونيف. قال: وأي شيء بقي من الأعمال؟ قيل له: عمل الديوان الفلاني والديوان الفلاني. فقال لي: يا أبا الحسن أنت الحكم في أمره، فقل ما عندك نقبله. ولا أقل من إتمام المبلغ خمسين ألف دينار. فقلت: أيها الوزير، إذا رجعت إلي حكمي فآثار الرجل جميلة وطريقته مستقيمة، ومن حكمي فيه أن لا يلزم شيئاً. فاغتاظ غيظاً بأن في وجهه وإن لم يبد في قوله وقال: ماذا قلت؟ قلت: يرد إلى عمله، فإنه رفع من الارتفاع ما لم يرفعه غيره. فأطرق ثم رفع رأسه وقال: يرد عليه خطه ويكتب بإعادته إلى عمله. فقال الكاتب: كيف أدعو له؟ قال: لا تدع. وقال للرجل: والله لئن عاودت ما أنكره منك لأعاملنك بما عامل الله به فرعون فإنه جعله نكال الآخرة والأولى. وكتبت الكتب، وأراد توديعه، فبسط رجله إليه حتى قبلها. وقيل للقاسم: قد فلت أيها الوزير في أمره ما لم تفعله البرامكة مع مثله. قال: وجدت كل ما عاملته به واقعاً موقعه مع تسليمه نفسه وأمره إلي.

وحدث أبو عبد الله أحمد بن علي بن المختار الأنماطي وكان قد خدم أبا الحسن علي ابن عيسى واختص به قال: كنت بين يدي الوزير أنا وأخوه وأولاده

<<  <   >  >>