مَا تعمر بِهِ الْبِلَاد:
إِنَّ الْعَدْلَ وَإِنْصَافَ الْمَظْلُومِ وَتَجَنُّبِ الظُّلْمِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الأَجْرِ يَزِيدُ بِهِ الْخَرَاجُ وتكتر بِهِ عِمَارَةُ الْبِلادِ وَالْبَرَكَةِ مَعَ الْعَدْلِ تَكُونُ وَهِيَ تُفْقَدُ مَعَ الْجوَار، وَالْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ مَعَ الْجَوْرِ تَنْقُصُ الْبِلادُ بِهِ وَتَخْرَبُ. هَذَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَجْبِي السَّوَادَ مَعَ عَدْلِهِ فِي أَهْلِ الْخَرَاجِ وَإِنْصَافِهِ لَهُمْ وَرَفْعِهِ الظُّلْمَ عَنْهُمْ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ، وَالدِّرْهَمُ إِذْ ذَاكَ وَزنه وزن المثقال.
تفقد الْحَاكِم رَعيته:
فَلَوْ تَقَرَّبْتَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجُلُوسِ لِمَظَالِمِ رَعِيَّتِكَ فِي الشَّهْرِ أَوِ الشَّهْرَيْنِ مَجْلِسًا وَاحِدًا تَسْمَعُ فِيهِ مِنَ الْمَظْلُومِ وَتُنْكِرُ عَلَى الظَّالِمِ رَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ مِمَّنِ احْتَجَبَ عَنْ حَوَائِجِ رَعِيَّتِهِ، وَلَعَلَّكَ لَا تَجْلِسُ إِلا مَجْلِسًا أَوْ مَجْلِسَيْنِ حَتَّى يَسِيرُ ذَلِكَ فِي الأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ فَيَخَافُ الظَّالِمُ وُقُوفَكَ عَلَى ظُلْمِهِ؛ فَلا يَجْتَرِئُ عَلَى الظُّلْمِ وَيَأْمَلُ الضَّعِيفُ الْمُقْهُورِ جُلُوسَكَ وَنَظَرَكَ فِي أَمْرِهِ فَيَقْوَى قَلْبُهُ وَيَكْثُرُ دُعَاؤُهُ؛ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُكَ الاسْتِمَاعُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَجْلِسُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُتَظَلِّمِينَ نَظَرْتَ فِي أَمْرِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ وَفِي أَمْرِ طَائِفَةٍ أُخْرَى فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ، وَلا تُقَدِّمَ فِي ذَلِكَ إِنْسَانًا عَلَى إِنْسَانٍ، مَنْ خَرَجَتْ قِصَّتُهُ أَوَّلا دُعِيَ أَوَّلا وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُ.
مَعَ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ الْعُمَّالُ وَالْوُلاةُ أَنَّكَ تَجْلِسُ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ النَّاسِ يَوْمًا فِي السَّنَةِ لَيْسَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ تَنَاهَوْا بِإِذْنِ اللَّهِ عَنِ الظُّلْمِ وَأَنْصَفُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَكَ بِذَلِكَ أَعْظَمَ الثَّوَابِ، أَنَّهُ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَةِ.
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ زَلَّتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قَالَ: وَحَدَّثَنِي لَيْثٌ عَنِ ابْنِ عِجْلانَ عَنْ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ مَنْ أَحْسَنَ اللَّهُ صُورَتَهُ وَجَعَلَهُ فِي مَنْصِبٍ صَالِحٍ ثُمَّ تَوَاضَعَ للَّهِ كَانَ مِمَّنْ خَالَصَ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ بَعَثْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَبُحْ بِقَلِيلِهِ وَبِكَثِيرِهِ؛ فَمَنْ خَانَ خَيْطًا فَمَا سِوَاهُ فَإِنَّمَا هُوَ غُلُولٌ يَأْتِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة".
١ والمثقال دِرْهَم وَثَلَاثَة أَسْبَاع الدِّرْهَم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute