للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَشْكُو شِدَّةَ الْحُكْمِ وَالْجِبِلَّةِ، وَكَانَ قَاضِي الْجَزِيرَةِ وَعَلَى خَرَاجِهَا. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنِّي لَمْ أُكَلِّفْكَ مَا يُعَنِّيكَ، اجْتَنِ الطَّيِّبَ، وَاقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنَ الْحَقِّ؛ فَإِذَا الْتَبَسَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فَارْفَعْهُ إِلَيَّ؛ فَلَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ تَرَكُوهُ مَا قَامَ دين وَلَا دنيا.

قَالَ أَبُو يُوسُف: وحَدثني أَبُو حُصَيْن قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حمى١.

تَأْدِيب الإِمَام الرّعية:

قَالَ: وَحَدَّثَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ضَرَبَ عُمَرُ رَجُلا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّمَا كُنْتُ أَحْذَرُ رجلَيْنِ: رجل جَهِلَ فَعَلِمَ، أَوْ أَخْطَأَ فَعُفِيَ عَنْهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْتَ، دُونَكَ فَامْتَثِلْ. قَالَ: فَعَفَا عَنْهُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي سَلامَة قَالَ: ضرب عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ رجلا وَنِسَاءً ازْدَحَمُوا عَلَى حَوْضٍ، قَالَ فَلَقِيَهُ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كُنْتَ ضَرَبْتَهُمْ عَلَى غِشٍّ وَعَدَاوَةٍ فَقَدْ هَلَكْتَ، وَإِنْ كُنْتَ ضَرَبْتَهُمْ عَلَى نُصْحٍ وَإِصْلاحٍ فَلا بَأْسَ؛ إِنَّمَا أَنْتَ رَاعٍ، إِنَّمَا أَنْت مؤدب.

الْأَخْذ بالشفقة على الرّعية:

قَالَ وَحَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكُمْ جَبَابِرَةً وَلَكِنْ بَعَثْتُكُمْ أَئِمَّةً، فَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَحْمَدُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَمْنَعُوهُمْ فَتَظْلِمُوهُمْ. وَأَدِرُّوا لَقْحَةَ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَبْعَثُ إِلَيْكُمْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ٢ وَلا لِيَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالكُم؛ وَلَكِنِّي أبعثهم إِلَيْكُم ليعملوكم دِينَكُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ؛ فَمَنْ فُعِلَ بِهِ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ؛ فواللذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ؛ فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ٣ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالِيًا عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَّبَ بَعْضَهُمْ إِنَّكَ لَتَقُصَّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ:


١ يحمى من الضَّرْب وَالْجَلد إِلَّا بِالْحَقِّ.
٢ أَي جلودكم.
٣ وَكَانَت فِيهِ شدَّة -رَضِي الله عَنهُ.

<<  <   >  >>