عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِي عَلَى الْفَيْءِ الَّذِي هُوَ هُوَ آتٍ وَأَنْتَ فِي عَمَلِكَ؛ فَيُقَالُ لَكَ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا هَلُمَّ إِلَيْكُمْ دُونَ غَيْرِكُمْ، إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ النَّاسَ وَتَرَكَكُمْ. قَالَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي رَأَيْتَ، وَلِمَ تَرَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَصَرَفَكُمْ عَنِ الْعَمَلِ وَأَرْفَعَكُمْ عَنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُ ذَلِكَ، أَمْ خَشِيَ أَنْ تَعَاوَنُوا لِمَكَانِكُمْ مِنْهُ فَيَقَعَ الْعِتَابُ عَلَيْكُمْ، وَلا بُدَّ مِنْ عَتَّابٍ؛ فَقَدْ فَرَّغْتَ لِي وَفَرَّغْتُ لَكَ فَمَا رَأْيُكَ؟ قُلْتُ: لَا أَرَى أَنْ أَعْمَلَ لَكَ قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنِّي إِنْ عَمِلْتُ لَكَ وَفِي نَفْسِكَ مَا فِي نَفْسِكَ لَمْ أَبْرَحْ قَذَاةً فِي عَيْنِكَ. قَالَ: فَأَشِرْ عَلَى، قَالَ قُلْتُ: أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَعْمِلَ صَحِيحا مِنْك صَحِيحا عَلَيْك.
أظلم النَّاس من ظلم النَّاس للنَّاس:
قالَ: وَحَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَعَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِذَا لَمْ تُعِينُونِي فَمَنْ يُعِيننِي؟ فَقَالُوا: نَحْنُ نُعِينُكَ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ائْتِ الْبَحْرَيْنَ وَهَجَرَ أَنْتَ الْعَامَ.
قَالَ: فَذَهَبْتُ فَجِئْتُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ بِغِرَارَتَيْنِ فِيهِمَا خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ مَالا مجتمعا قطّ أَكثر من هَذَا هَل فِيهِ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ أَوْ مَالُ يَتِيمٍ أَوْ أَرْمَلَةٍ؟
قَالَ: قُلْتُ لَا وَاللَّهِ، بِئْسَ وَاللَّهِ الرَّجُلُ أَنَا إِذَنْ إِنْ ذَهَبْتَ أَنْتَ بالهنأ وَأَنَا أَذْهَبُ بِالْمَؤُنَةِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَقَايَا أَهْلِ الشَّامِ قَدِ انْقَطَعَ إِلَى الشَّامِ يَذْكُرُ لَهُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ الأَعْوَانِ عَلَى الْخَيْرِ، وَيَسْأَلُهُ الْمُعَاوَنَةَ لَهُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، بَلَغَنِي كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَذْكُرُ فِيهِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ الأَعْوَانِ عَلَى الْخَيْرِ وَيَطْلُبُ مِنِّي الْمُعَاوَنَةَ.
وَأَعْلَمُ أَنَّكَ إِنَّمَا أَصْبَحْتَ فِي خَلَقٍ بَالٍ وَرَسْمٍ دَارِسٍ، خَافَ الْعَالِمُ فَلَمْ يَنْطِقَ، وَجَهِلَ الْجَاهِلُ فَلَمْ يَسْأَلْ، وَتَسْأَلُنِي الْمُعَاوَنَةَ فِيمَا أَنْعَمَ اللَّهُ على؛ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ.
قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ كَانَ يَجْبِي الْعِرَاقُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ أُوقِيَةٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهِ عَشْرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَعَشْرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَشْهَدُونَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ مِنْ طَيِّبٍ مَا فِيهِ ظُلْمُ مُسْلِمٍ وَلَا معاهد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute