للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ وَعَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ؛ فَبَعَثَ أَهْلُ كُلِّ مَدِينَةٍ مِمَّنْ جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ رِجَالا مِنْ قِبَلِهِمْ يَتَجَسَّسُونَ الأَخْبَارَ عَنِ الرُّومِ وَعَنْ مُلْكِهِمْ وَمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَصْنَعُوا؛ فَأَتَى أَهْلُ كُلِّ مَدِينَةٍ. رُسُلُهُمْ يُخْبِرُونَهُمْ بِأَنَّ الرّوم قد جمعُوا جَمِيعًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ.

فَأَتَى رُؤَسَاءُ أَهْلِ كُلِّ مَدِينَةٍ إِلَى الأَمِيرِ الَّذِي خَلَّفَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ؛ فَكَتَبَ وَالِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِمَّنْ خَلَّفَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَتَتَابَعَتِ الأَخْبَارُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ؛ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى كُلِّ وَالٍ مِمَّنْ خَلَّفَهُ فِي الْمُدُنِ الَّتِي صَالَحَ أَهْلَهَا يَأْمُرُهُمْ أَنْ يردوا عَلَيْهِم مَا جبي مِنْهُمْ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ: إِنَّمَا رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ؛ لأَنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا مَا جُمِعَ لَنَا مِنَ الجموع، وَأَنَّكُمُ اشْتَرَطْتُمْ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَكُمْ، وَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ مَا أَخَذْنَا مِنْكُمْ وَنَحْنُ لَكُمْ عَلَى الشَّرْطِ وَمَا كَتَبْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ نَصَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لَهُمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمُ الأَمْوَالَ الَّتِي جَبَوْهَا مِنْهُمْ، قَالُوا: رَدَّكُمُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ.

فَلَوْ كَانُوا هُمْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْنَا شَيْئًا وَأَخَذُوا كُلَّ شَيْءٍ بَقِيَ لنا حَتَّى لَا يدعوا لنا شَيْئا؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُجِيبُهُمْ إِلَى الصُّلْحِ عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَيُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَأَلُّفَهُمْ، وَلْيَسْمَعْ بِهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ الَّتِي لَمْ يَطْلُبْ أَهْلُهَا الصُّلْحَ فَيُسَارِعُوا إِلَى طَلَبِ الصُّلْحِ.

وَمَا كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَخَذَهُ مِنَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمُدُنِ مِنَ الأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ وَالْمَتَاعِ؛ فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ وَقَسَّمَ الأَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَمَنَحَ أَكْتَافَهُمْ وَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ قَتْلا لَمْ يَرَ الْمُشْرِكُونَ مِثْلَهُ.

فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْمُدُنِ الَّتِي لَمْ يُصَالِحْ عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَا لَقِيَ أَصْحَابُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَتْلِ بَعَثُوا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ فَأَعْطَاهُمُ الصُّلْحَ عَلَى مِثْلِ مَا أَعْطَى الأَوَّلِينَ إِلا أَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الرُّومِ الَّذِينَ جَاءُوا لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وصاروا عِنْدهم؛ فَإِنَّهُم آمنُوا يَخْرُجُونَ بِمَتَاعِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِهِمْ إِلَى الرُّومِ وَلا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَدَّوْا إِلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَفَتَحُوا لَهُ أَبْوَابَ الْمُدُنِ، وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَاجِعًا؛ فَكُلَّمَا مَرَّ بِمَدِينَةٍ مِمَّا لَمْ يَكُنْ صَالَحَهُ أَهْلُهَا بَعَثَ رُؤَسَاؤُهَا يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ؛ فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَى الأَوَّلِينَ، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كتاب الصُّلْح

<<  <   >  >>