للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكلما مر على مَدِينَة مِمَّا كَانَ صَالَحَ أَهْلَهَا، وَكَانَ وَالِيهِ فِيهَا قَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ تَلَقَّوْهُ بِالأَمْوَالِ الَّتِي كَانَ رَدَّهَا عَلَيْهِمْ مِمَّا كَانُوا صُولِحُوا عَلَيْهِ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وتلقوه بأسواق وَالْبِيَاعَاتِ فَتَرَكَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ، لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَمْ يَنْقُصْهُ.

وَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَبِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَعْطَى أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنَ الصُّلْحِ وَمَا سَأَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمُ الْمُدُنَ وَأَهْلَهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَأَنَّهُ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ فِيهِ لِيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ فِيهِ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي نَظَرْتُ فِيمَا ذَكَرْتَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالصُّلْحِ الَّذِي صَالَحْتَ عَلَيْهِ أَهْلَ الْمُدُنِ وَالأَمْصَارِ وَشَاوَرْتُ فِيهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكُلّ قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَإِنَّ رَأْيِي تَبَعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحَشْر: ٦- ٨] هم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ {وَالَّذين تبوأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْر: ٩] ؛ فَإِنَّهُمُ الأَنْصَارُ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: ١٠] وَلَدُ آدَمَ الأَحْمَرُ وَالأَسْوَدُ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ اللَّهُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَأَقِرَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي أَيْدِي أَهْلِهِ وَاجْعَلِ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ تُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُونَ عُمَّارَ الأَرْضِ فَهُمْ أَعْلَمُ بِهَا وَأَقْوَى عَلَيْهَا، وَلا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِمْ وَلا لِلْمُسْلِمِينَ مَعَكَ أَنْ تَجْعَلَهُمْ فَيْئًا وَتُقَسِّمَهُمْ لِلصُّلْحِ الَّذِي جَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ وَلأَخْذِكَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: ٢٩] ؛ فَإِذَا أَخَذْتَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ فَلا شَيْءَ لَكَ عَلَيْهِمْ وَلا سَبِيلَ. أَرَأَيْتَ لَوْ أَخَذَنَا أَهْلَهَا فاقتسمناهم مَا كَانَ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ بَعْدِنَا مِنَ الْمُسلمين وَالله مَا كَانُوا

<<  <   >  >>