للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجِدُونَ إِنْسَانًا يُكَلِّمُونَهُ وَلا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْء مِنْ ذَاتِ يَدِهِ، وَأَنَّ هَؤُلاءِ يَأْكُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ مَا دَامُوا أَحْيَاءً؛ فَإِذا هلكنا وهلكوا أكل أنباؤنا أَبْنَاءَهُمْ أَبَدًا مَا بَقُوا فَهُمْ عَبِيدٌ لأَهْلِ دِينِ الإِسْلامِ مَا دَامَ دِينُ الإِسْلامِ ظَاهِرًا؛ فَاضْرِبْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَكُفَّ عَنْهُمُ السَّبْيَ وَامْنَعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِهِمْ وَالإِضْرَارِ بِهِمْ وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ إِلا بِحِلِّهَا ووفى لَهُمْ بِشَرْطِهِمُ الَّذِي شَرَطْتَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا أَعْطَيْتَهُمْ.

وَأَمَّا إِخْرَاجُ الصِّلْبَانِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ؛ فَلا تَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ بِلا رَايَاتٍ وَلا بُنُودٍ عَلَى مَا طَلَبُوا مِنْكَ يَوْمًا من السَّنَةِ؛ فَأَمَّا دَاخِلَ الْبَلَدِ بَيْنَ الْمُسلمين ومساجدهم فَلَا تظر الصِّلْبَانَ؛ فَأَذِنَ لَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ وَهُوَ يَوْمُ عِيدِهِمُ الَّذِي فِي صَوْمِهِمْ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمْ يَكُونُوا يُخْرِجُونَ صِلْبَانَهُمْ. فَمَا كَانَ مِنَ الصُّلْحِ الَّذِي صَالَحُوا علَيْهِ أَهْلُهُ فَإِنَّ بِيَعُهُمْ وَكَنَائِسُهُمْ تُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ تُهْدَمَ وَلَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِيهَا فَهَذَا مَا كَانَ بِالشَّامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأهل الذِّمَّة.

ذهَاب خَالِد لقِتَال أهل الْعرَاق:

قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنْ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْفُتُوحِ وَالسِّيَرِ، بَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضٍ، قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْيَمَامَةِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَخَرَجَ فَأَقَامَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، تَهَيَّأْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى الْعِرَاقِ؛ فَوَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ فِي أَلْفَيْنِ، وَمَعَهُ مِنَ الأَتْبَاعِ مِثْلُهُمْ؛ فَمَرَّ بِفَائِدٍ١ فَخرج مَعَه خَمْسمِائَة من طَيء وَمَعَهُمْ مِثْلُهُمْ فَانْتَهَي إِلَى شَرَافَ٢، وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلافٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَتَعَجَّبَ أَهْلُ شَرَافٍ مِنْ خَالِدٍ وَمَنْ مَعَهُ وَوُغُولِهِمْ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ فَانْتَهَوْا إِلَى الْمُغِيثَةِ٢؛ فَإِذَا طَلائِعُ خَيْلِ الْعَجَمِ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ وَرَجَعُوا، فَانْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِمْ وَدَخَلُوهُ، فَأَقْبَلَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْحِصْنِ فَحَاصَرَهُمْ وَفَتَحَ الْحِصْنَ وَقَتَلَ مَنْ فِيهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ، وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ السِّلاحِ وَالْمَتَاعِ وَالدَّوَابِ وَهَدَمَ الْحِصْنَ.

ثُمَّ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْعَذِيبِ٤ وَفِيهِ حِصْنٌ فِيهِ مَسْلَحَةٌ لِكِسْرَى فَوَاقَعَهُمْ خَالِدٌ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ مِنْ مَتَاعٍ وَسِلاحٍ وَدَوَابٍّ وَهَدَمَ الْحِصْنَ وَضرب أَعْنَاق


١ جبل قرب مَكَّة.
٢ على ثَمَانِيَة أَمْيَال من الأحساء.
٣ بَين الْقَادِسِيَّة والعذيب.
٤ مَاء قرب الْقَادِسِيَّة.

<<  <   >  >>