للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ، ثُمَّ قَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلاكَ الْحُكْمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَهُمْ حُلَفَاؤُكَ؛ فَقَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا يَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.

فَخَرَجَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ سَمِعَ مَقَالَتَهُ إِلَى دَارِ قَوْمِهِ يَنْعِي رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ؛ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَالَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْبَرَهُ بِمَا جَعَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ مَا حَكَمْتُهُ؟ وَهُوَ غَاضٌّ طَرْفَهُ عَنْ مَوْضِعِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ: "نَعَمْ"؛ فَقَالَ فِي النَّاحِيَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَقَالُوا: "نَعَمْ"، فَقَالَ: حَكَمْتُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ؛ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ"؛ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنْزَلُوهُمْ وَحَبَسَهُمْ فِي دَارِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يُقَالُ لَهَا ابْنَةُ الْحَارِثِ حَتَّى ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ.

قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ حُكْمُ بقتل الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ؛ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ أَنْ تُوضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ؛ وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا حَكَمَ فِيهِمْ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَدُعُوا فَأَسْلَمُوا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا رَضُوا بِأَنْ يَحْكُمَ فِيهِمُ الإِمَامُ أَوْ وَالِيهِ عَلَى الْجَيْشِ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَجَازَ كَمَا يَجُوزُ حُكْمُ مَنْ رَضُوا بِهِ.

وَلَوْ كَانُوا رَضَوْا بِحكم رجل مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ فَمَاتَ الرَّجُلُ الَّذِي رَضُوا بِحُكْمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ الْوَالِي عَلَيْهِمْ تَصْيِيرُ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ؛ فَالْجَوَابُ على مَا وَصَفْتُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا نبذ إِلَيْهِم وَكَانَ على محاربتهم، هَذَا إِذا كَانُوا فِي حصنهمْ؛ فَإِن كَانُوا قد نزلُوا ثمَّ لم يقبلُوا مَا عرض عَلَيْهِم ردوا إِلَى حصنهمْ ثمَّ نب> إِلَيْهِم.

وَلَو نزلُوا على حكم رجلَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا قبل الحكم فَحكم الثَّانِي بِبَعْض الْوُجُوه الَّتِي وصفت لَك، لم يجز ذَلِك إِلَّا أَن يرْضوا بِهِ؛ فَإِن اخْتلفُوا وَلم يرْضوا بذلك سموا ثَانِيًا مَعَ الْبَاقِي مَكَان الْمَيِّت، وَلم لم يمت وَاحِدًا منهمما ولكنهما اخْتلفَا فِي الحكم فيهم لم يجز مَا حكما بِهِ أَيْضا؛ إِلَّا أَن يرْضوا بِحكم أَحدهمَا، يرضى بِهِ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَلَو رَضِي أحد الْفَرِيقَيْنِ دون الآخر لم يجز، وَلَو رَضِي كل فريق بِحكم رجل على حِدة لم يجز.

وَلَو حكم الرّجلَانِ جَمِيعًا بِأَن يعادوا إِلَى الْحسن كَمَا كَانُوا فَإِن هَذَا لَيْسَ بِحكم، هَذَا خُرُوج مِنْهُمَا كَأَنَّهُمَا قَالَا: لَا نقبل الحكم وَلَو حكما أَن يردوا إِلَى مأمنهم وحصونهم من دَار الْحَرْب لم يجز حكمهمَا، وَقد خرجا من الحكم، ويستأنف التَّحْكِيم إِن رَضوا بذلك أَو الْحصار كَمَا كَانُوا.

<<  <   >  >>