وَلَو سَأَلُوا أَن ينزلُوا على أَن يحكم فيهم بِحكم الله تَعَالَى أَو حكم الْقُرْآن؛ فَإِن الحَدِيث جَاءَ بِالنَّهْي أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فيهم؛ لأَنا لَا نَدْرِي مَا حكم الله يهم؛ فَلَا يجابوا إِلَى ذَلِك، فَإِن أجابوهم وَنزل الْقَوْم على ذَلِك فَالْحكم فيهم إِلَى الإِمَام يتَخَيَّر أفضل ذَلِك للدّين وَالْإِسْلَام، إِن رأى أَن قتل الْمُقَاتلَة وَسبي الذُّرِّيَّة أفضل لِلْإِسْلَامِ وَأَهله أمضى ذَلِك فيهم على حكم سعد بن معَاذ، وَإِن رأى أَن يجعلههم ذمَّة يؤدون الْخراج أفضل لِلْإِسْلَامِ وَالدّين وَأحسن فِي توفير الْفَيْء الَّذِي يتقوى بِهِ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم وعَلى غَيرهم من الْمُشْركين أمضى ذَلِك الْأَمر فيهم؛ أَلا ترى أَن الله عز وَجل يَقُول فِي كِتَابه الْعَزِيز {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهم صاغرون}[التَّوْبَة: ٢٩] ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو أهل الشّرك إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أَبَوا فإعطاء الْجِزْيَة، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنهُ حقن دِمَاء أهل السوَاد وجعلهم ذمَّة بعد أَن ظهر عَلَيْهِم.
وَإِن أَسْلمُوا قبل أَن يمْضِي الإِمَام الحكم فيهم بِشَيْء فَهُوَ أَحْرَار مُسلمُونَ، وَكَذَلِكَ إِن دعاهم إِلَى الْإِسْلَام قبل أَن يحكم فيهم بِشَيْء من هَذِه الْوُجُوه؛ فأسلموا فهم أَحْرَار مُسلمُونَ وأرضهم لَهُم وَهِي أَرض عشر، وَإِن صيرهم ذمَّة فالأرض لَهُم وَعَلَيْهَا الْخراج، وَلَو حكم فيهم بقتل الرِّجَال وَسبي الذُّرِّيَّة فَلم يمض ذَلِك فيهم حَتَّى أَسْلمُوا لم يقتلُوا وَلم تسب ذَرَارِيهمْ، وَإِن لم يسلمُوا حَتَّى قتل الرِّجَال وسبيت الذُّرِّيَّة فالأرض فَيْء إِن شَاءَ الإِمَام خمسها ثمَّ قسم مَا بَقِي مِنْهَا وَإِن شَاءَ تَركهَا على حَالهَا وَأمر واليه أَن يَدْعُو إِلَيْهَا من يعمرها وَيُؤَدِّي خراجها كَمَا يعْمل ي معطل أَرض أهل الذِّمَّة مِمَّا لَا رب لَهُ.
من لَا يَصح أَن ينزلُوا على حكمه:
وَإِن سَأَلُوا يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ أهل الذِّمَّة لم يجابوا إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يحل أَن يحكم أهل الْكفْر فِي حروب الْمُسلمين فِي أُمُور الدَّين؛ فَإِن أَخطَأ الْوَالِي وأجابهم إِلَى ذَلِك فَحكم فيهم بِبَعْض هَذِه الْوُجُوه لم يجز شَيْء من حكمه، وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا سَأَلُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ قوم من الْمُسلمين أَحْرَار وهم محدودون فِي قذف لم يجز لِأَن شَهَادَة هَؤُلَاءِ لَا تجوز.
وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ العَبْد لَا يَنْبَغِي أَن يجابوا إِلَى أَن يحكم وَاحِد من هَؤُلَاءِ فِي حروب الدَّين وَالْإِسْلَام؛ فَإِن أَخطَأ الْوَالِي وأجابهم إِلَى ذَلِك لم يجز حكم وَاحِد مِنْهُم فيهم إِلَّا أَن يحكموا فيهم بِأَن يَكُونُوا ذمَّة يؤدون الْخراج فَيقبل ذَلِك مِنْهُم