للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديث بهذا اللفظ متواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد رواه عنه أكثر من ستين صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة، ورواه عن كل صحابي جماعة، فطرقه لا تكاد تحصى، ولذا حكم العلماء بأنه متواتر لفظاً ومعنى، والمتواتر حينما يذكره أهل العلم وإن لم يكن من مباحث علوم الحديث وإنما هو من مباحث الأصول إلا أن معرفته تفيد طالب العلم، لا يعني أن كون المتواتر ليس من مباحث أهل الحديث، وأنه من مباحث الفقهاء والأصوليين أن هذا قدح في هذا الفن من أنواع علوم الحديث، وهذا الفن استعمله أهل العلم، جاء على ألسنة أهل العلم الذين هم أشد غيرة على السنة ممن تكلم في هذه الأنواع، فمن يتكلم في هذا الأنواع ويقول: إن المتواتر لا وجود له في كلام أهل العلم، في كلام المحدثين، وإنما وجد في كلام المخالفين ليقسموا الكلام إلى متواتر وآحاد، فيردوا الآحاد في باب العقائد، نقول: إذا أمنت هذه الفتنة وهذه الشبهة فلا مانع من تقسيم الكلام إلى متواتر وآحاد، والآحاد إذا صح إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فالإجماع قائم عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم على أنه حجة في جميع أبواب الدين حتى العقائد، وأنه لا يرده إلا مبتدع، فإذا أمنا من هذه الشبهة، ووجدنا هذا الكلام أعني المتواتر والآحاد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكلام شيوخنا قاطبة وشيوخهم وأئمة الدعوة كلهم يقولون بتقسيم الكلام إلى متواتر وآحاد، أما كونه يندر وجوده في كلام أهل الحديث وليس من مباحثهم؛ لأن هذا النوع من الأخبار لا يدخل تحت صناعتهم؛ لأنهم يبحثون في علوم الحديث وفي صناعتهم ما يمكن أن يثبت، وما يمكن أن ينفى، فيثبتونه من خلال صحة سنده، وينفونه من خلال ضعفه، وأما المتواتر فلا يحتاج إلى بحث، فإذا بلغت رواته من الكثرة الكاثرة بحيث لا يحصرون، وأمن تواطئهم على الكذب، فأحالت العادة أن يتواطئوا على الكذب فإنه حينئذٍ ولو كان رواته فساقاً بل كفاراً فإن العمل به لازم، وليس للإنسان خيرة في أن يعمل أو لا يعمل، مجرد ما يسمع الخبر يصدقه تلقائياً، ولذا أي خبر مستفيض متواتر يعني يأتي بطرق متعددة متباينة لا يحتمل توطئهم الكذب فإن هذا الإنسان ملزم بقبوله،

<<  <  ج: ص:  >  >>