فكل واحد منا يؤمن بأن هناك بلد يقال لها: بغداد، وأن هناك جواد يقال له: حاتم، وهكذا كما أننا نؤمن بإيمان الصديق، وشجاعة علي، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا خيرة لنا في قبولها، الإنسان لا يتردد في قبول مثل هذه الأخبار؛ لأنها وردت إليه بطرق ملزمة، ومنتشرة انتشاراًَ لا يستطيع، ولا يستطيع ولا المكابرة أن يرد مثل هذا، هل على وجه الأرض من يقول: إنه لا يوجد بغداد، أو لا توجد مكة، أو لا توجد المدينة وإن لم يكن دخلها؟ فهذه بلغته بأخبار كثيرة جداً، وصلت إلى هذا الحد الموجب للعلم الضروري الذي لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه، فهذا الحديث متواتر بلفظه ومعناه، ولذا يقول التاودي ابن سودة مغربي:
مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب
"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً)) " الكذب مصدر كذب يكذب كَذِباً وكِذْباً وكِذَاباً وكِذّاباً، ولا مانع من إعادة بعض الكلام الذي قيل في درس الفجر اليوم في الكتابين وفي درس الأمس، لا مانع من إعادته؛ لأن تسجيل هذا الدرس غير تسجيل الدرس الماضي، فلا يكتفى بما تقدم؛ لأن حفظ شرح هذه الأحاديث لا يقترن بشرح الدروس الأخرى، فالذي يستمع لأحاديث ابن ماجه يمكن ما يستمع لأحاديث مسلم وهكذا مقدمة مسلم ولا لألفية العراقي، وإلا مباحث متداخلة بين الكتب الثلاثة.
فالكذب مصدر وهو نقيض الصدق، والكذب في اللغة مصدر كذب يكذب كذباً وكذباً وكذاباً وكذاباً، وهو نقيض الصدق، والإخبار عن الشيء على خلاف ما هو في الواقع، على خلاف واقعه، وأما الصدق فهو الإخبار عن الشيء على وفق الواقع، وهما نقيضان فلا واسطة بينهما خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن هناك كلام ليس بصدق ولا كذب، ويستدلون بقول الله {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(٨) سورة سبأ] فجعل المقابل للكذب ليس هو الصدق إنما هو كون الإنسان مجنون، جعلوا الجنون مقابل الكذب، وفصلنا الكلام في هذا في الدرسين الماضيين، في درس مسلم وفي الألفية.