((من كذب عليّ متعمداً)) ((عليّ)) تمسك بها من أجاز الكذب نصراً للحق، ودعوة إليه، وترغيباً فيه، وقالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:((من كذب عليّ)) ولم يقل: من كذب لي، ونحن نكذب له لا عليه، فأجازوا وضع الحديث في الترغيب وفي الفضائل، وقالوا: إن الناس اشتغلوا في فقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق عن القرآن، فوضعوا أحاديث يرغبون فيها الناس بفضل القرآن وقراءة القرآن حسبةً على حد زعمهم، وأنهم كذبوا له لا عليه، وهذا قول في غاية السخف والسقوط، فالدين كامل ليس بحاجة إلى ترويج، وليس بحاجة إلى دعاية، ففي ما صح في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- غنية للمسلم ولو عمل بكل ما ورده مما صح لشغل وقته به، ولاستغنى به عما لم يصح.
((من كذب عليّ متعمداً)) يستدلون أيضاً برواية: ((ليضل الناس)) فقالوا: ما قصدنا إضلال الناس، وهذه الرواية ضعيفة، بل حكم بعضهم ببطلانها، ولو قدر ثبوتها لقلنا: إن اللام ليست للتعليل، وإنما هي لام العاقبة والصيرورة، كما في قوله -جل وعلا-: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [(٨) سورة القصص] فهم ما اتخذوه، ما اتخذه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، إنما اتخذوه رجاء الانتفاع به، لكن صارت العاقبة أن صار عدواً لهم، وحزناً عليهم.
((من كذب عليّ متعمداً)) هذا القيد يترتب عليه هذا الإثم العظيم ((فليتبوأ مقعده من النار)) دليل على أن من كذب من غير عمد أنه لا يستحق هذا العقاب؛ لأن المخطئ والناسي معذور {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(٢٨٦) سورة البقرة] لكن هل يعذر الجهل؟ هل يعذر بالجهل في مثل هذا؟ للجاهل أن يتحدث بما شاء؟ له نصيبه من الباب الثاني ((من حدث عني بحديث وهو -يُرى أو- يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) لا يعذر في حديثه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو كان جاهلاً، لكن إن أخطأ أو سبق لسانه، أو سها وندم على ذلك وصحح هذا لا إثم عليه؛ لأن الإثم المذكور في الحديث مقيد بالتعمد ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فليتخذ مباءة ومنزلاً من النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
وعلى كل حال الحديث سنده حسن، ومتنه متواتر لا إشكال فيه.