موعظة بليغة، وهل المراد بالبلاغة هنا ارتكاب المحسنات وضروب أنواع البديع ومراعاة قواعد البيان والمعاني المعروف مجموعها بعلم البلاغة، هل هذا هو المقصود؟ أو أنه بالغ فيها -عليه الصلاة والسلام- بالزجر والأمر حتى وجلت القلوب وذرفت العيون؟ لأن الكلام إذا وصف بالبلاغة واستعملت فيه قواعد علم البيان والمعاني، واستعملت فيه المحسنات البديعية فقط، إذا قلنا: البلاغة هذه المشتملة على ثلاثة العلوم أو ثلاثة الفنون هل يقتضي ذلك أن تجل منها القلوب، وتذرف منها العيون؟ لا، ما يلزم، قد يتصف ويطبق قواعد الفنون الثلاثة ومع ذلك يكون مسلي يعني نكتة، وتستعمل فيها قواعد الفنون الثلاثة، المراد بالبلاغة هنا المبالغة في انتقاء النصوص المؤثرة التي منها تجل القلوب، وتذرف العيون.
"قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم" وذات هذه مقحمة يستعملونها وإن اقتصروا على يوم، والمقصود في يوم من الأيام، فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، خافت، لكن قلوب من؟ نعم قلوب الصحابة، ومن يضاهيهم ويحاكيهم ممن نور الله قلبه {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [(٣٥) سورة الحج] ومن الناس مع قساوة القلوب التي نعيشها وإلى الله المشتكى لا فرق بين أن يوعظ ويذكر بالقرآن أو بصحيح السنة وبين أن يقرأ عليه من جريدة قصاصة من جريدة، أو يسمع خبر من الأخبار من وسيلة لا فرق، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المختلف فيه يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((شيبتني هود وأخواتها)) وأتحدث عن نفسي أنني بدأت بسورة يونس فلم أشعر إلا وأنا بيوسف، فما الأثر الذي تركته هود في نفسي؟ وأجزم أن مثلي موجود يعني في طلاب العلم، فهل هذه هي القراءة التي تترتب عليها آثارها؟ على الإنسان أن يعيد حساباته، يحاسب نفسه.