للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

زرارة بن أوفى سمع الإمام وهو يقول: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(٨) سورة المدثر] قالوا: خر مغشياً عليه فمات، وبعض الناس ينكر مثل هذا القول، وممن ينكره من المتقدمين ابن سيرين، يقول: لا يمكن أن يغمى على الإنسان أو يغشى عليه يصاب بالغشي؛ لأنه يسمع القرآن، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام سمعوا وما حصل لهم شيء من هذا، واختبروا من يدعي ذلك فاجعلوه على جدار واقرؤوا القرآن إن سقط فهو صادق، إن سقط من الجدار فهو صادق، وجمع من أهل التحقيق ومنهم شيخ الإسلام يرى أنه لا مانع من وقوع هذا من بعض الناس، لا شك أن القرآن ثقيل، وأثره في القلوب بالغ، لكن القلوب تتفاوت منها

القلب القوي كقلبه -عليه الصلاة والسلام-، وقلوب صحابته الكرام، هؤلاء يتقبلون هذا الكلام القوي، هذا الكلام الثقيل بقلوب قوية، يتأثرون تأثر بالغ لكنهم يتحملون، من جاء بعدهم استشعروا هذه العظمة وهذا الثقل لكلام الله -جل وعلا-، لكن القلوب بعد الصحابة ضعفت، فصاروا لا يتحملون مثل هذا الكلام الثقيل، وهم يستشعرون عظمة ما يسمعون، فيحصل لهم ما يحصل، ثم طال بالناس الزمان مع ضعف القلوب، ما نقول: قويت القلوب، القلوب ضعيفة، لكن استشعار عظمة القرآن خفت في قلوب المسلمين، استشعار العظمة خفت، فلذا لا يتأثرون، لكن ما الدليل على أن قلوبهم ضعيفة؟ لو حصل للإنسان منهم أدنى مشكلة تغيرت حساباته وكاد أن يجن بسببها، وقد يصاب بالإغماء أو بالغشي كما حصل في بعض الكوارث التجارية أو المصائب التي تحصل لبعض الناس، هل هذا القلب قوي الذي تأثر بأمور دنياه؟ هذا ليس بقلب قوي، لكن كونه لا يتأثر بالقرآن مع عظمته وقوته وثقله لأنه لا يستشعر هذا، لا يستشعر هذه العظمة، فالصحابة يتأثرون، ومن يستشعر عظمة هذا القرآن يتأثرون.

"فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون" والحديث كما قررنا ضعيف للانقطاع، لكن ألفاظه صحيحة، جاءت من طرق صحيحة؛ لئلا يقول قائل مثل ما قال واحد بالأمس: إنك تقرر الحديث أنه ضعيف وتشرحه، والضعيف ما دام ما يحتج به لماذا يشرح؟ نقول: يشرح إذا كان له ما يشهد له، وله أصل يدل على أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

<<  <  ج: ص:  >  >>