وقوله:((وإن عبداً حبشياً)) وفي بعض الروايات: ((رأسه كأنه زبيبة)) إذا كان الخليفة عبد حبشي لا يمكن انتخابه في حال الاختيار وهو عبد حبشي، لا بد في حال الاختيار أن يكون من قريش، لكن في حال الإجبار لو استولى على الناس بسيفه، وأرغمهم على الخضوع له لا بد من السمع والطاعة، ولا يجوز نزع يد الطاعة بعد استتباب الأمن له، إلا بالضوابط الشرعية المعروفة ((لا، ما صلوا)) ما دام يصلي تجب طاعته ((ما لم تروا كفراً بواحاً)) فإذا لم يوجد الكفر البواح فلا يجوز الخروج بحال، ولو وجد الظلم، ولو وجدت المعاصي، ولو كثرت المنكرات، المقصود أن مثل هذا ليس بمبرر للخروج، ونزع اليد من الطاعة، أو شهر السيف في وجه الولاة، لا، أبداً، نعم إذا رئي الكفر المباح نعم هذه غاية، وإذا تركوا الصلاة هذه غاية، كما جاءت به النصوص.
العبد الحبشي هذا إذا تولى بقوته، وقهر الناس، واستولى عليهم، واستتب الأمن له لا يجوز الخروج عليه، والأئمة من قريش في حال الاختيار، حال الترشيح لا يرشح عبد حبشي، وإنما يرشح من قريش، أو يكون مولى من قبل ولي الأمر، ولي الأمر قرشي نعم ولى عبداً حبشياً على جهة من الجهات حينئذٍ تجب طاعته؛ لأن طاعته من طاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر من طاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- من طاعة الله -عز وجل-، ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني)).
"فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً كثيراً)) " وحدث مصداقه بعد وفاته بزمن يسير، وجد الاختلاف والفرقة بين المسلمين، وبعد الفتنة التي بدأت بقتل الخليفة الراشد عمر، ثم قتل عثمان، ثم الخلاف بين علي ومعاوية، وما زال الأمر يزيد حتى طمست كثير من معالم الدين.
((وسترون بعدي اختلافاً شديداً)) يعني إلى أن وجد من الخلفاء من يحمل الناس على الابتداع في الدين.