((وكل محدثة بدعة)) وهذا تقدم، كل محدثة في الدين بدعة، والبدعة كما تقدم تعريفها في اللغة ما عمل على غير مثال سابق، وفي الاصطلاح ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب الله ولا سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا التقسيم الذي ذكره بعض أهل العلم للبدع، وأن منها ما يحمد ومنها ما يذم، وأن منها ما يجب، ومنها ما يستحب، ومنها ما يمنع، تبعاً للأحكام الخمسة التكليفية، وعرفنا أن الشاطبي رد هذا التقسيم، وقال: إنه تقسيم مخترع لا يدل عليه دليل، وقوض دعائمه، وهذا هو الصواب، أنه ليس في البدع ما يمدح، وذكرنا قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح:"نعمت البدعة" وأجبنا عنه فلا داعي لرده.
((وكل بدعة ضلالة، ألا لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم)) يعني كما حصل للأمم السابقة، والأمم السابقة حرفوا وبدلوا وغيروا فدينهم ممسوخ مغير مبدل، إلى أن جاء ديننا فنسخ أديانهم، أما ديننا فلا يزال غضاً رطباً يتجدد، كأنما أنزل القرآن اليوم، محفوظ من الزيادة والنقصان، ومن التبديل والتغيير، يعني نتلوه الآن كما كان يتلى في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا عذر لنا أنه إذا طال علينا الأمد تقسو قلوبنا، معنا كتاب الله الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ونجد في قلوب المسلمين، بل في قلوب بعض طلاب العلم من هو أشد قسوة من الجبل من الحجارة، يتلى كتاب الله وكأنه تحليل صحفي، ما يفترق بشيء، لا يؤثر فينا شعرة، لا يحرك فينا شعرة، فالقسوة موجودة، ولا عوقب شخص بمثل قسوة القلب، وقد يعاقب الإنسان وهو لا يشعر، يرتكب معصية فيعاقب بقسوة القلب وهو لا يشعر، ومصيبته في هذه العقوبة أعظم من مصيبته لو جدعت أطرافه.