والمراد بالرأي المخالف للنص، وليس معناه الرأي الذي يستعان به على فهم النص، الرأي منه ما يؤيده النص، ومنه ما يعارض به النص، فما يؤيده النص لا شك أنه مقبول، أما ما يعارض النصوص فهو مردود، معارضة النصوص الثابتة عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- بالآراء لا شك أنها علامة على الخذلان، وإفلاس المعارض من الحق الذي يؤيده الدليل، وأهل الرأي الذين اعتمدوا على الآراء والأقيسة وتركوا الاستدلال بالنصوص إنما سبب ذلك أنه أعجزهم وأعياهم حفظ النصوص، فالحفظ صعب، لا سيما من التفت إليه بعد الكبر، فإذا أعياهم وأعجزهم حفظ النصوص، ثم تعرضوا للسؤال، وتصدروا في المجالس والمنابر والمحافل وعرضوا أنفسهم لأسئلة الناس، وليس عندهم من النصوص ما يعتمدون عليه اضطروا إلى أن يفتوا بآرائهم، فهذه الآراء التي لا تعتمد على النصوص هي التي يجب اجتنابها، وأما من كان عنده من النصوص ما يعتمد عليه في مسائل الدين، واحتاج مع ذلك إلى الرأي الذي يتعامل به مع هذه النصوص؛ لأن النصوص تحتاج إلى مقدمات يستعان بها على فهم هذه النصوص، وكذلك الأقيسة إذا كان الأصل موجود عند العالم، والأصل موجود بدليله، واحتاج أن يقيس عليه فرعاً لا دليل عليه وإنما هو مشبه لذلك الأصل الذي دل عليه الدليل بعلة واحدة فإنه حينئذٍ يقيسه عليه، وهذا القياس صحيح ولا إشكال فيه؛ لأنه مرجعه إلى النص، أما من يقيس الأمور برأيه أقول: أما من يقيس الأمور برأيه في المسائل الأصلية التي فيها الأدلة، ويتوصل بقياسه إلى مخالفة ما دل عليه الدليل فهذا القياس كما يقول أهل العلم فاسد الاعتبار؛ لأنه قياس في مقابلة نص، فلنفرق بين الرأي الذي يجب اجتنابه، والرأي الذي لا بد من استعماله للتعامل مع النصوص، والقياس الصحيح الذي هو إلحاق فرع لا دليل عليه يخصه بأصل ثبت دليله من الكتاب أو السنة بعلة تجمع بينهما هذا لا إشكال فيه، وأما القياس الذي يعول عليه ابتداءً في تقرير مسألة فيها نص فهو فاسد الاعتبار؛ لأن العبرة بالنص، فلا بد أن نفرق؛ لئلا يسمع هذا الكلام أحد ويقول: باب اجتناب الرأي والقياس معناه أن المؤلف أو من يقول بهذا الكلام ظاهري، لا يرى الآراء ولا الأقيسة، فالأئمة كلهم