قال:"فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان" يعني احمرت أوداجه -عليه الصلاة والسلام- من الغضب؛ لأن مثل هذه الأمور قد تجر الإنسان إلى الشك والريب، وقد يزيد عنده الأمر فيرتد -نسأل الله السلامة والعافية-، وكثير ممن أوغل في مثل هذه المسائل التي لا يدرك غورها حصل له ما حصل من الشك والارتياب، وعدم الرضا والتسليم بما جاء عن الله وعن رسوله.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض)) فهناك أدلة يستدل بها نفاة القدر، وهناك أدلة يستدل بها أهل الجبر، الغلاة في إثبات القدر، فهؤلاء يضربون أدلة هؤلاء بأدلتهم والعكس، وأهل السنة وفقوا للجمع والتوفيق بين هذه النصوص في هذا الباب كغيره من أبواب الدين، يعني مثلاً عندنا الإرجاء والخروج، المرجئة يضربون أدلة الخوارج بأدلتهم، والخوارج يضربون أدلة المرجئة بأدلتهم، وتحصل المقاولات والمناظرات بكثرة بين هذه الفرق التي هي على طرفي نقيض، لكن من وفق للتوفيق بين هذه النصوص، وحملها على وجوهها المعتبرة على الطريقة الشرعية المقررة عند أهل العلم، لا شك أن هذا هو عين التوفيق، ويسلم من ضرب القرآن بعضه ببعض.
يقول:((بهذا هلكت الأمم قبلكم)) يعني المرجئي إذا أوردت عليه أدلة الخوارج فإما أن يطعن في هذه الأدلة، وبعضها في القرآن، وبعضها في صحيح السنة، فيحصل له شيء من الهلاك، يهلك يعني ولو لم يهلك بدنه، يعني أهلك دينه، إذا ضرب النصوص بعضها ببعض، والخارجي إذا أوردت عليه النصوص التي يستدل بها المرجئة أيضاً حصل عنده ما يحصل من إنكار لهذه النصوص فيهلك.
قال:"فقال عبد الله بن عمرو: "ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب غضباً شديداً، والمشفق عليه المحب له لا يرضى أن يراه على هذه الصورة صورة الغضب، لا يرضى لنفسه أن يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مغضب، وكذلك كل محبوب لا يتمنى لمحبوبه أن يغضب، وإذا غضب يتمنى أنه لا يوجد في هذا المجلس، وهذا ظاهر.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع".