للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

((والذي نفسي بيده)) كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف على الأمور المهمة، وفي قوله: ((بيده)) إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأما تأويلها من قبل الشراح، أو من قبل كثير من الشراح: "روحي في تصرفه" فالذي يظهر أنه هروب من إثبات الصفة، وإلا فهو لازم المعنى، لازم الكلمة، واللازم صحيح، ما في أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، المعنى صحيح، لكن إذا كان القصد منه الفرار من إثبات الصفة فهو قول باطل مردود.

((لتصبن)) اللام واقعة في جواب القسم ((لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ)) أي لا يميله عما هو عليه من استقامة ((لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)) يعني الدنيا، إلا الدنيا، والأصل: "إلا هي" والهاء هذه للسكت، هاء السكت {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [(١٠) سورة القارعة] هاء السكت {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [(٢٩) سورة الحاقة] مثل: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ} [(٢٨) سورة الحاقة] هذه كلها هاء السكت.

((حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)) يعني إلا الدنيا ((وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)) وفي بعض الروايات وفيها كلام: ((لقد تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها)) يعني في الوضوح، فالإنسان يسير على الصراط المستقيم الواضح البين الذي لا يعتريه خفاء ولا غموض في الليل والنهار على حد سواء، وهذا بالنسبة لمن اتبع واقتفى ونور الله قلبه بالإيمان، أما من غشت على قلبه الشهوات والشبهات فقد يميل عن هذا الصراط يمنة أو يسرة ((ليلها ونهارها سواء)).

قال أبو الدرداء: "صدق والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء".

<<  <  ج: ص:  >  >>