"في شراج الحرة" يعني المسايل مسيل الماء، ومعلوم أن الماء يبدأ بالأرض الأول فالأول، فالأراضي المملوكة يمر بها الماء منحدراً من الأعلى إلى الأسفل، فإن ترك الماء بدون تصرف فإن الأعلى لن يستفيد منه الفائدة المرجوة؛ لأنه ينزل بسرعة إلى المنحدر، وإن حبس وحرم منه الثاني والثالث أيضاً هذا ليس من العدل، وهذا إشكال، فلا هذا ولا هذا، يسقي منه الأول حتى يصل إلى الجدر، ثم بعد ذلك يرسله إلى الذي يليه، ثم الذي يليه يسقي إلى الجدر، ثم يرسله إلى الذي يليه وهكذا.
"التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر" يعني اترك الماء يمشي، كأن الزبير في مرتفع، وهذا أنزل منه، فيقول الأنصاري للزبير:"سرح الماء يمر" اتركه، لا تحبسه عنا "فأبى عليه" الزبير لأنه لن يستفيد منه، إذا تركه يمر من غير قرار فإنه لن يستفيد منه.
"فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اسقِ يا زبير)) " خذ حاجتك من هذا الماء ((ثم أرسل الماء إلى جارك)) وهذا أقل من حقه في الحكم الشرعي، لكنه صلح، ومن باب التأليف.
((اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)) يعني اتركه يمشي، أطلقه يسيل إلى نخل جارك، فغضب الأنصاري، ما كفاه هذا الحكم، مع أن فيه هضماً لحق الزبير؛ لأن الإنسان إذا تخاصم عنده من له عليه يد أو معرفة أو قربى مع شخص أجنبي فإنه في الغالب إذا كان عدلاً نزيهاً يأخذ للأجنبي أكثر مما يأخذ للقريب، يعني من باب ألا يُتهم في حكمه، من باب أن يؤلف البعيد، والقريب قد ضُمن، لكن إذا لم يرضَ البعيد إلا بحكم الله -جل وعلا- يحكم عليه ولو كان فيه نقص عليه.
"فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك" يعني حكمك هذا لأنه كان ابن عمتك! -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني اتهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بحكمه، وهذا لائق بمن يقول: إن الرجل كان منافقاً، وأما من يقول: إنه كان بدرياً، ومن الأنصار، ومؤمناً حق الإيمان، فإنه يقول: إن هذا في حال الغضب، والإنسان قد يصدر منه في حال الغضب ما لا يؤاخذ عليه، ولا يقع طلاقه، وتصرفاته لا تقع.