((ولا تنكي عدواً، وإنها تكسر السن، وتفقأ العين)) قال: فعاد ابن أخيه يخذف، بعد ما سمع الخبر، ونهاه وأنكر عليه، عاد يخذف "فقال: أحدثك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها ثم عدت تخذف، لا أكلمك أبداً" فهجره مدة بقائه طول عمره؛ لأنه خالف السنة، وعارض السنة، وكذلك صنيع ابن عمر مع ابنه، ذُكر أنه ما كلمه مدى الحياة، وعندنا في وقتنا لا نقيم لهذه الأمور وزناً، وإذا غضب الإنسان على ولده لفعل فاحشة أو أمر عظيم المسألة ساعة أو ساعتين أو ساعات أو يوم أو يومين، ثم يعود كأن لم يكن شيء حصل، لماذا؟ لأن هذه المخالفة ما وقعت في قلب الأب موقعها الطبيعي في الدين، تجده يوقظه للصلاة، ثم إذا جاء ووجده لم يصلِ، ثم بعد ذلك يحوطه بعنايته ويرعاه برعايته، ويغدق عليه من الخيرات، ويعامله ويبتسم في وجهه وكأن شيئاً لم يكن.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في البداية والنهاية في ترجمة ابن الراوندي وهو ملحد، ذكر أن ابن خلكان ترجم له وأثنى عليه، ولم يذكر شيئاً من إلحاده، كعادته في تراجم الأدباء والمؤرخين واللغويين يطيل في تراجمهم بخلاف العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء يختصر، قال: ولم يذكر شيئاً من إلحاده، فكأن الكلب لم يأكل له عجيناً، يعني ما أثر عليه أبداً، يعني رجل زنديق ملحد تمدحه وتطيل لأنه أديب! الدين رأس المال يا أخي، فهذه من ابن كثير -رحمه الله تعالى- تدخل في هذا الباب، هذه غيرة لله ولرسوله غيرة على الدين، ابن خلكان ما كأن الكلب أكل له عجين، يعني ما كأن الأمر يعنيه، ترجم له على عادته كأنه خير الناس، أثنى عليه ومدحه وأطراه، نعم في باب من أبواب الأدب، وفي علم من العلوم التي لا تقاوم شيئاً ولو شيئاً يسيراً في أبواب العلم الشرعي مدحه به، فهكذا ينبغي أن يكون المسلم يغار لدين الله، يغار لسنة رسول الله، لا سيما من ينتسب إلى العلم وإلى السنة ينبغي أن يغار، وينكر المنكر على من قاله كائناً من كان، لكن ينبغي أن يكون الإنكار بالطرق المؤدية إلى الغرض التي فيها إزالة لهذا المنكر، مع أنه لا يترتب عليها منكر أعظم منه، ونقف على هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.