قال -رحمه الله-: "حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات" استبعاد بأن تلقى هذه الأحاديث على غير أهلها "كنا نحفظ الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام-" بدون واسطة، وعنه بواسطة أصحابه ممن شهد في حال صغر ابن عباس؛ لأن ابن عباس وإن كان ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه كان صغير السن، توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولما يحتلم بعد، في الثالثة عشرة من عمره، ولذا يقرر بعض العلماء أن ما يرويه ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة إنما هو أربعة أحاديث، وابن حجر يقول: جمعت مما صح أو حسن إسناده إلى ابن عباس مما صرح فيه بسماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فبلغت نحو الأربعين.
كان ابن عباس يحفظ من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن الصحابة، والحديث يُحفظ إذا ألقاه الصحابي ابن عباس أو غير ابن عباس يحفظ من قبل من يسمعه، يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواسطة أو بغير واسطة، ويهتمون بذلك، ويعنون بنشره حينما كان الناس على الجادة، على البيضاء التي تركهم عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأما بعد أن تشعبت بهم الآراء والأهواء، وركبوا في ذلك الصعب والذلول، ركبوا في ذلك المراكب الصعبة والمراكب السهلة فأحجم ابن عباس وغير ابن عباس عن تحديثهم؛ لأنه يخشى أن يفهموه على غير وجهه، أو يحفظوه على خلاف ما ألقي عليهم، فهم إذا سمعوا أي شيء تلقفوه، وأولوا معناه فركبوا في تأويله الصعب والذلول، ولم يتبينوا ويتحققوا ويتثبتوا من لفظه، فإذا وجد مثل هذا التساهل ووجد هذا التخوف بالنسبة لأناس بأعيانهم أو لمجتمعات بأعيانهم فإنه حينئذٍ لا يلقى عليهم الخبر لما له من الضرر البالغ في نفوس هؤلاء، ونفوس من يتلقى عنهم الذي ركبوا الصعب والذلول.