"منه بدأ" من الله -جل وعلا- بدأ، وهو الذي تكلم به، وإليه يعود في آخر الزمان، يرفع القرآن من صدور الرجال، ومن المصاحف أيضاً، فينام الرجل النومة فإذا أصبح فإذا ليس في جوفه شيء من القرآن، وإذا فتح الناس المصاحف للقراءة ما وجدوه، وقد يعاقب الإنسان، وهذا الكلام إنما يكون في آخر الزمان، لكنه قبل ذلك قد يعاقب الإنسان فينسى ما حفظه من القرآن، أو يُنسى ما حفظه من القرآن بسبب ذنب أصابه، وذكر عن بعض من تقدم شيء من ذلك، وقد يكون الذنب حائلاً بينه وبين حفظ القرآن، كما أن الذنوب تحول بين أصحابها وبين أبواب الخير، كقيام الليل مثلاً، وصيام الهواجر، كذلك تكون سبباً في رفع ما حصل عليه من خير.
وعلى كل حال رفعه إنما يكون جملة، إنما يكون في آخر الزمان، ولهذا يقول أهل العلم: منه بدأ، وإليه يعود.
"ما جاءت به آياته" فالآيات المدونة في المصاحف، والمحفوظة في الصدور، والمتلوة والمسموعة هي كلام الله -جل وعلا-، وهي عبارة عن شيء واحد هو القرآن، ولا نقول: إن المتلو غير المحفوظ، والمسموع غير المقروء، لا، كشيء واحد، كما قال ابن حزم: إننا لدينا الآن أربعة قرآنات، ليس بقرآن واحد ولا اثنين ولا ثلاثة، أربعة قرآنات، وهذا لا شك أنه كلام باطل، وإنما القرآن وكلام الله هو شيء واحد، القرآن الموجود بين الدفتين، وهو المحفوظ في الصدور، له أول، وله آخر، يفتتح بالفاتحة، ويختم بالناس، يعني محفوظ ومضبوط، وسالم من الزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(٩) سورة الحجر] فمن ادعى أن شيئاً من القرآن زائد أو ناقص لا إشكال في كفره وردته؛ لأن الأمة أجمعت على أن القرآن محفوظ، كما هو نص القرآن، والذي يزعم أن هناك زيادة أو نقصان مكذب للنص القطعي {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(٩) سورة الحجر].