على كل حال الشعر نفي عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأنشد بين يديه، وقال فيه:((لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا حتى يَرِيَه)) هذا في الحديث الصحيح في الصحيحين ((خير له من أن يمتلأ شعرا)) والله -جل وعلا- يقول عن الشعراء:{وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [(٢٢٤) سورة الشعراء]، يعني الشعر جاء ما يدل على إباحته، وجاء ما يدل على ذمه ((لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خيراً من أن يمتلأ حتى يريه خير من أن يمتلأ شعراً)) وهنا يقول:
وصار من عادة أهل العلم ... أن يعتنوا بسبر ذا بالنظم
يعني هذا العلم وغيره من العلوم نظم فيها المنظومات الطويلة والقصيرة على البحور كلها، بحور الشعر، يعني هناك منظومات في ألوف المؤلفة من الأبيات، ومن نظم العلوم ما يسمى بالألفيات، ألف بيت في كثير من العلوم، ومنها ما يصل إلى عشرة آلاف وأكثر مثل نظم المقنع لابن عبد القوي أربعة عشر ألف بيت، وهناك منظومات كالنونية لابن القيم في خمسة آلاف وثمانمائة وستين بيت، المقصود أن هناك نظم، وعناية بالنظم، وسوف تذكر العلة -إن شاء الله تعالى- في كون العلماء يعنون بنظم العلوم.
لكن جاء ذم النظم، يعني افترض أن شخص حفظ نظم المقنع وحفظ النونية وحفظ معها منظومات أخرى، نقول: امتلأ جوفه شعراً، يدخل في الذم وإلا ما يدخل؟ إذا ترك ما هو أهم من ذلك، وعلى رأس المهمات كتاب الله -جل وعلا-، ولذلك قال:((حتى يريه)) يعني حتى يمتلأ، فإذا امتلأ شعراً لم يكن هناك في القلب محل لكلام الله ولا كلام رسوله، وهذا هو المذموم، لكن إذا امتلأ من القرآن ومن السنة، ومن ما يعين على فهم الكتاب والسنة من كتب متون سواء كانت نظم أو نثر، هذا كله خير على خير.
"أن يعتنوا في سبر هذا"، في سبر ذا، يعني في سبر وتتبع واستقراء هذه العلة بمسائلها وتفاريعها بالنظم؛ لأنه يسهل للحفظ، نعم حفظ النظم أيسر من حفظ النثر، حفظ النظم أيسر من حفظ النثر، لماذا؟ لأنك إذا نسيت كلمة من الشطر الأول أو الثاني، لا بد أن وزن البيت يضطرك إلى تحديد الكلمة في الجملة والروي والقافية تحدد لك كلمات معينة تسد بها هذا النقص، ما تأتي أي كلمة، نسيت الوارث مثلا