هذا الكلام ليس له حظ من النظر، إنما هو بفهم من لديه الأهلية للفهم، من لديه الأهلية، المتأهل الذي طرق الباب وولج إلى ما يريد من بابه، على طريقة سلف هذه الأمة وأئمتها، الذي يقول في القرآن برأيه هذا آثم ولو أصاب، الذي يفسر كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- من غير أمر يستند إليه آثم، ولذا يشترطون فيمن يتصدى لبيان الغريب، غريب الحديث أن يجمع بين اللغة والحديث، لا يكفي أن يأتي لغوي ويشرح الحديث، ما يكفي، لماذا؟ لأنه لا يستطيع أن ينزل الكلمة الغريبة بمجرد معرفته للغة، على مراده -عليه الصلاة والسلام-، حتى يكون محدثاً يعرف أن المراد من هذه الكلمة في هذا الموضع هذا المعنى، فاللغوي الصرف لا يكفي، المحدث الذي لا يعرف لغة العرب أيضاً لا يكفي، فإذا رجعت في كلمة غريبة في لسان العرب مثلاً وجدت عشرين معنى، ما الذي تختاره؟ تختار ما يؤيده السياق، والسياق إذا أردت أن تعرفه على صورته الواضحة لا بد أن تجمع الطرق، فبذلك تكون محدثاً لغوياً فتجمع بين الأمرين، أما محدث صرف لا علاقة له باللغة، أو لغوي صرف لا علاقة له بالحديث لا يجوز له أن يفسر الغريب.
الأصمعي وهو إمام من أئمة اللغة، ويحفظ ستة عشر ألف بيت، بعض، ستة عشر ألف قصيدة، بعض القصائد من مائتي بيت، ملايين البيت، يسأل عن الصقب ويقول: أنا لا أفسر كلام الرسول، لكن العرب تزعم أن الصقب اللصيق، فهذا الأمر لا بد منه، لا بد أن نجعل مثل هذا هو الذي يحد الضياع الذي تعيشه الأمة الآن، الآن كثير من طلاب العلم يتخبطون، يسمعون بعض المثقفين يتكلم بكلام له رنين، يعني يكون لديهم حصيلة لغوية وثروة ثقافية، فيتحدث يبهر السامع، لكن إذا نظرت إلى واقعه ووزنته بالميزان الشرعي إذا هو شبه عامي، ما يكفي أن يكون الإنسان عنده قدرة على الكلام، ولذلك في الملمات والمعضلات لا يحلها إلا أهل الرسوخ، ولو كان في باب الكلام وفي ترادف المعاني لو كان أقل من غيره، ولذلك:
ألم تر اختلاف أصحاب النظر ... فيه وحسن ما نحاه ذو الأثر
لماذا؟
فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى ... وصحبه فاقنع بهذا وكفى
فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام- وصحبه فاقنع بهذا وكفى