للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢ - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، التَّاجِرُ، بِسَرَخْسَ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنبا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، بِالْمَدِينَةِ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَكَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، يَقُولُ: كَانَ ابْنُ شِهَابٍ قَدْ ضَاقَتْ حَالُهُ، وَرَمَقَهُ دَيْنٌ، فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فِي زَمَانِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَجَالَسَ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ قَبِيصَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَسْمُرُ مَعَهُ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ: فَذَهَبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَنْ مِنْكُمْ يَحْفَظُ قَضَاءَ عُمَرَ فِي إِمَارَةِ الأَوْلادِ، قَالَ: قُلْتُ: أَنَا.

قَالَ: فَقَالَ لِي: قُمْ.

فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَدْخَلَنِي عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى نُمْرُقَةٍ، بِيَدِهِ مِخْصَرَةٌ، عَلَيْهِ غُلالَةٌ، مُلْتَحِفٌ بِسِينِيَّةٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ.

قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ سَلامِي، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبْتُ لَهُ.

قَالَ: إِنْ كَانَ أَبُوكَ لَنَعَّارًا فِي الْفِتَنِ.

قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَفَى اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، قَالَ: اجْلِسْ، قَالَ: فَجَلَسْتُ، قَالَ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: اقْرَأْ مِنْ سُورَةِ كَذَا، وَمِنْ سُورَةِ كَذَا.

قَالَ: فَقَرَأْتُ.

قَالَ: فَقَالَ لِي: أَتَفْرِضُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا؟ قُلْتُ: لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلأُمِّهَا السُّدُسُ وَلأَبِيهَا مَا بَقِيَ.

قَالَ: أَصَبْتَ الْفَرْضَ، وَأَخْطَأْتَ اللَّفْظَ، إِنَّمَا لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلأُمِّهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلأَبِيهَا مَا بَقِيَ.

قَالَ: فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ عَلَى حَالِهَا، وَهُوَ رَجُلٌ تَرَكَ زَوْجَتَهُ، وَأَبَوَيْهِ؟ فَقُلْتُ لِزَوْجَتِهِ الرُّبُعُ، وَلأُمِّهِ الرُّبُعُ، وَلأَبِيهِ مَا بَقِيَ.

قَالَ لِي: أَصَبْتَ الْفَرْضَ، وَأَخْطَأْتَ اللَّفْظَ، لَيْسَ هَكَذَا، يُفْرَضُ لِزَوْجَتِهِ الرُّبُعُ، وَلأُمِّهِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ، مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلأَبِ مَا بَقِيَ، ثُمَّ قَالَ: هَاتِ حَدِيثًا، قُلْتُ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَ لَزِمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَانَ بِهِ مُعْجَبًا، وَأَنَّهُ فَقَدَهُ، فَقَالَ: مَالِي لا أَرَى فُلانًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ، فَإِذَا هُوَ بَذُّ الْهَيْئَةِ.

فَقَالَ: «مَالِي أَرَاكَ هَكَذَا؟» .

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ إِخْوَتِي خَيَّرُونِي بَيْنَ أُمِّي، وَبَيْنَ يَعْنِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي، فَاخْتَرْتُ أُمِّي، وَلَمْ أَكُنْ لأُخْرِجَهَا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَأَخَذْتُهَا بِجَمِيعِ مِيرَاثِي مِنْ أَبِي، قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ مُغْضَبًا حَتَّى رَقَى الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ فَأَيُّ امْرِئٍ وَطِئَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا مَا عَاشَ، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» .

فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: هَكَذَا حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ دَيْنِي.

فَقَالَ: قَدْ قَضَى اللَّهُ دَيْنَكَ.

قُلْتُ: وَتُحَدِّثُنِي.

قَالَ: مَهْ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

قُلْتُ: وَتَفْرِضُ لِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ: لا وَاللَّهِ مَا نَجْمَعُهُمَا لأَحَدٍ.

قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَتَجَهَّزْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فِي مَجْلِسِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَنَوْتُ لأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَدَفَعَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: انْصَرِفْ، وَأَبَى أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ.

قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ يَعِيبُنِي بِهِ , فَيَرْوِيهِ مَنْ حَضَرَهُ، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً، وَقُلْتُ: يَخْلُو، وَأُكَلِّمُهُ، فَلَمَّا خَلَّتْهُ السِّعَةُ قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَانْصَرَفَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَاتَّبَعْتُهُ لِيَخْلُوَ فَلَمَّا خَلَى، وَبَقِيَ وَحْدَهُ مَشَيْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا ذَنْبِي؟ أَنَا ابْنُ أَخِيكَ، وَمِنْ مَوَدَّتِكَ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، وَأَتَنَصَّلُ، وَمَا يُكَلِّمُنِي بِحَرْفٍ، وَمَا يَرُدُّ عَلَيَّ كَلِمَةً، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَنْزِلَهُ، وَاسْتَفْتَحَ فَفُتِحَ لَهُ، فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي ذَهَبْتَ بِحَدِيثِي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ

<<  <   >  >>