فتمرَّد الكفارُ على ربهم وطغَوا وعتَوا وأعلنوا الحرب على رسله لئلا تكون كلمتُه هي العليا، واستعملوا جميع المواهب التي أنعم الله عليهم بها في محاربته وارتكاب ما يُسخطه ومعاداته ومعاداة أوليائه القائمين بأمره. وهذا من أعظم الجرائم التي يتصوّرها الإنسان.
فعاقبهم الله الحَكَمُ العدل اللطيف الخبير جل وعلا عقوبةً شديدة تُناسب جريمتَهم، فوضعهم من مقام الإنسانية الكاملة إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات، وهم في الحقيقة كالحيوانات. كما قال تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان: ٤٤] وقال تعالى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف: ١٧٩]. وقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}[محمد: ١٢] فأجاز بيعَهم وشراءهم وغير ذلك من التصرفات المالية.
وهذه العقوبة الثانوية التي شرعها خالق السموات والأرض المحيطُ علمه بكلّ شيء كأنه قِتلة أدبية لا قِتلةٌ قاطعةٌ للحياة بمفارقة الروح البدن.
ولو فرضنا - ولله المثل الأعلى - أن حكومة من هذه الحكومات - التي تنكر المِلك بالرق وتُشنِّع على دين الإسلام بذلك - قام عليها رجال من رعاياها - كانت تُغدِق عليهم النعم وتسدي إليهم جميعَ أنواع الإحسان - ودبَّروا عليها ثورةً مسلحة لمحاولة قلب نظام حكمها، ثم قدَرت عليهم بعد مقاومة شديدة فإنها تقتلهم شرَّ قِتلة قاضيةً بمفارقة