لقد جاء النبي- صلى الله عليه وسلم- والقلوب أرض جرداء فسقاها من نمير التوحيد، وأرواها من سلسبيل الإخلاص، وساقها إلى الله دليل المتابعة، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فعزت الأمة بعد ذلتها، واجتمعت بعد فرقتها، وصارت غالبة بعد أن كانت مغلوبة.
بقيت العقيدة على صفائها ونقائها وطهرها، حتى إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، ودخل في دين الله من لم يتشرب قلبه التوحيد الخالص، حدث في الناس الخلل، وتفرقت بهم السبل، وراجت المذاهب المنحرفة، والأفكار الهدامة، وأطلت الفتن برأسها، وفشت البدع ببؤسها، حتى إذا زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا؛ قيض الله من أئمة الهدى، وأعلام الدجى من يعيد الناس إلى مشكاة النبوة وقلعة الإيمان، ويكشف لهم زيوف الباطل، ويدحض شبه المبطلين، ويردهم إلى منهج السلف الصالح.
إن المتبصر في تاريخ الأمة الإسلامية؛ ليرى أن عزتها وعلوها وغلبتها ودينونة الأمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأثر النبي- صلى الله عليه وسلم- وسيرها على منهج السلف الصالح، واجتماعها على أئمتها، وعدم منازعتهم