للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أجل هذا فهو يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام، أو القتل. يقول القرطبي - رحمه الله -: " ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها. . . وبقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] (١) وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا نبي بعدي» (٢) وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا العاقب» (٣) . يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إذا أنزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعمر: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي» (٤) . فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة مجددا لها؛ إذ هي آخر الشرائع ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل (٥) .

[رفع الشحناء والتباغض من بين الناس وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق]

من الأمور التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تحدث في زمن عيسى عليه السلام: أن الشحناء والتباغض والتحاسد ترفع من بين الناس حيث تجتمع كلمة الجميع على الإسلام، وتعم البركة، وتكثر الخيرات، حيث تنبت الأرض نبتها، ولا يرغب في اقتناء المال لكثرته، وينزع الله في ذلك الوقت سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم، وترعى


(١) سورة الأحزاب، آية: ٤٠.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل (٤ / ١٠٤) .
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب (٤ / ١٦٢) .
(٤) أخرجه الأمام أحمد في مسنده (٣ / ٣٨٧) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (١٣ / ٣٣٤) رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا.
(٥) التذكرة للقرطبي (٢ / ٧٩٢) .

<<  <   >  >>